يُغريني الصوت كحالة مجازية في الطبيعة

الصوت الذي يُسمع ولا يُرى، هذه الحالة الشاعريّة التي أنتجتها الطبيعة، كما أنتجت اللون، إنه تموّج الطيف الذي ولَّد أشكالًا ومنتجات عدّة كاللغة والموسيقى، كما ولّد اللون الصورة بمنتجاتها المثيرة، منذ اللوحة حتى السينما.

الصوت بوصفه مُلك الأرض وحدها، يجعل هذهِ الطاقة الفيزيائية أكثر إغراءً ويجعل من الأسئلة أكثر إلحاحًا عن هذهِ الطاقة، وماذا يعني ألا يكون في الكواكب الأخرى صوت، والأهم أثر ذلك على الإنسان.

للصوت إذن أهمية خاصة على الكوكب، مما جعل منظّمة اليونيسكو تُخصّص على جدولها السنوي أسبوعًا خاصًا للصوت، إذ تقول المنظمة في مقدمة مذكرّتها الإيضاحية المعنونة بأهمية الصوت في عالمنا الراهن: البيئة الصوتية هي عامل أساسي من عوامل التوازن في علاقة الإنسان مع الآخرين ومع العالم، التي يمتد تأثيرها إلى الجانب الاقتصادي والبيئي والاجتماعي والطبّي والصناعي والثقافي لحياة الإنسان، والبيئة الصوتية هي مرآة ومدخل الى العالم، فهي تعكس وتبلور صورة سلوكنا الفردي والجماعي على حدّ سواء، وكذلك الإنتاجية، والقدرة على العيش بانسجام سويًا، ومن ثم أصبح إيلاء قدر أكبر من الأهمية للإشكاليّات المرتبطة بالصوت في عالمنا الراهن، حيث لا تنفكّ الضوضاء تشتدّ، مسألة ذات أهميّة حيويّة.

كان مُدهشًا بالنسبةِ لي أن يكون هناك أسبوع عالمي للصوت، ليس بمُنتجاته كلغة أو كموسيقى بل كعنصر فيزيائي أوليّ في هذا الكون، الصوت كحفيف ورق، الصوت كضحكة، كضجيج مدينة، لكنّه آلة حرب أيضًا، وهدير مُحرِّكات، وأذان كونيّ ونغمة للروح.

إنَّ الطبيعة الخلّاقة للإنسان والتي اعتمدت منذ بداية التكوين على المُحاكاة جعلت الإنسان يتدرّج في اكتشاف قدراته الصوتية منذ تقليد أصوات الحيوانات وابتكار اللغة ومفاهيمها، حتى الموسيقى كعلم تربوي بما قامت عليه من مفاهيم هندسية وحسابات رياضيّة، إذ أصبحت الموسيقى وهي أقدم فروع علم الجمال دلالة ثقافية تدلّ على المستوى المعرفي لحضارة ما، نظرًا لحالة التكامل العلمية والجمالية التي تنتجها الموسيقى.

ولعلَّ الحديث يطول هنا عن الموسيقى أكثر من اللغة كأحد منتجات الصوت، نظرًا لما حُمِّلت من إشكاليات مُجتمعيّة، والأهم لما تمثّله من تجسيد حسّي وعلمي معًا، أي كمعرفة تعكس وحدة الوجود وتُرتّب علاقة الإنسان بالطبيعة والبشر، منذ أن استعان الإنسان بالجذوع والجلود، حتى رفع صوته بالأذان والأناشيد.

كلّ هذهِ الأصوات – إذن – للأرض عامّة وللإنسان خاصّة، لكنه لم يكتفِ يومًا بما لديهِ ولن يكتفي، وهو اليوم أمام معضلة الاحتفاظ بعصبه الحسّي الذي لن يستطيع دونه أن يُدرك شيئًا من مُنتجاته العظيمة تلك.


المصدر: آراء سعودية


error: المحتوي محمي