الاستهلاك الثقافي

طابت أوقاتكم بكل خير أحبتي الكرام….
دار حديث لأحد الأصدقاء مع زميله من إحدى دول الغرب حول نشر ثقافة المجتمعات الإنسانية فأحببت مشاركتكم هذا الحوار.

المعروف أن الشعوب تحاول إبراز شخصياتها العظيمة بنشر تراثها وأفكارها لترويج ونشر ثقافتها وهذا ما يسمى بالقوة الإعلامية الناعمة أو كما يسميه البعض بالغزو الفكري، ولكن ما نراه منكم هو التباهي بالماضي فقط دون إبرازه، بل إن البعض منكم لا هم له إلا التباهي بنشر أقوال علماء الغرب في الأزمنة الفائتة والاستشهاد به تفاخراً (دون مجال التخصص العلمي) فهل أنكم لا تمتلكون الثقافة الحضارية أو الشخصيات العظيمة؟

– مما يؤسف له من البعض هو البدء في قراءة الثقافات الغربية قبل البدء في دراسة ثقافته الأصلية و كلذلك نجده متأثراً ومنحازاً لتلك القراءات والترويج لها واستيرادها، وعدم تصدير ثقافته الأم لعدم إلمامه بها بل والتعالي عليها والمضحك انتقاده الدائم للشعوب بأنها شعوب استهلاكية صناعياً وهو يقوم بذات الفعل بالاستهلاك الثقافي دون التصدير الثقافي للمجتمعات الأخرى.

ومن المؤسف عدم نشر ثقافة وحضارة المسلمين للمسلمين أنفسهم بدوافع الكسل والتململ والاتكالية وغير ذلك من الأسباب.
فلدينا الكثير من الشخصيات العظيمة التي سخرت أنفسها لبناء الإنسان والمجتمعات الإنسانية إلى الرقي لأعلى درجات الكمال، ولكننا بكل أسف أضعناها وخسرنا.
وهل لك أن تضرب بعض الأمثلة؟
– توجد لدينا القوانين العلمية في تنظيم العلاقات الاجتماعية مع جميع أفراد المجتمعات البشرية في رسالة الحقوق للإمام السجاد (عليه السلام)، وبدلاً من قراءتها وتصديرها لجميع الثقافات الأخرى للإفادة، استوردنا النظريات المتهافتة والمتضاربة.

وأما في الحكم والمواعظ فلن نعرج على أمير البلغاء والحكماء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ولا لبقية العظماء، ولكن سنكتفي بالشاعر أبو الطيب المتنبي، وقس على ذلك في بقية المجالات الأخرى.

– وهل باستطاعتك ذكر بعض الحقوق في العلاقات الاجتماعية؟
وأما حق الصغير فرحمته وتثقيفه وتعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له والستر على جرائر حداثته فإنه سبب للتوبة، والمداراة له وترك مماحكته فإن ذلك أدنى لرشده.

وأما حق الجار فحفظه غائباً وكرامته شاهداً ونصرته ومعونته في الحالين جميعاً، لا تتبع له عورة ولا تبحث له عن سوءة لتعرفها، فإن عرفتها منه عن غير إرادة منك ولا تكلف، كنت لما علمت حصناً حصيناً وستراً ستيراً…

وأما حق الصاحب فأن تصحبه بالفضل ما وجدت إليه سبيلاً وإلا فلا أقل من الإنصاف وأن تكرمه كما يكرمك وتحفظه كما يحفظك ولا يسبقك فيما بينك وبينه إلى مكرمة…

– لا يسمى الإنسان مثقفاً ما لم يدرس ثقافته أولاً وبعد ذلك يتفرغ لقراءة الثقافات الأخرى، ولن يصبح المثقف منتجاً ما لم يصدر ثقافته لمجتمعاته وللبقية بدلاً من الاستيراد الفكري (الاستهلاك الثقافي).


error: المحتوي محمي