حتى النخاع هو عنوان الكتاب الأول للباحث محمد فيصل العوامي الذي يشتغل حاليًا على أطروحة الدكتوراه، وقد صدر حديثًا عن بسطة حسن، وهنا وقفة قصيرة مع الكتاب.
يحرر الجمال بأن أناقة المعلومات المطروحة بشتى الوسائل ربما مشبوهة وانتبه أن تفتن عقلك، فلابد من جعلها تحت المجهر العلمي ومناقشتها وتحليلها وفق منهج علمي رصين حتى نبني مجتمعًا عالِمًا في زمن شاع فيه المعلومات الخاطئة والمغالطات.
الكتاب وإن طرق بعض البحوث والتطبيقات في تخصص التغذية والصحة إلا أنه وجبة ثقافية عامة يحتاج لها المتخصص وغير المتخصص.
أتفق إلى حد ما مع أطروحات الكتاب الذي لا يجعلك تنهزم أمام أي معلومة وإن أطلقها مختص! وكذلك أبحرت معه بقارب محكم جدًا لضفة أمان. وما سوف أطرحه من ملاحظات لا يعني بالضرورة محاكمة المحتوى المعرفي أكثر من مجرد وجهة نظر متواضعة.
الملاحظة الأولى:
لفت انتباهي على الغلاف وتحديدًا العنوان الجانبي عبارة (خطوة لصنع مجتمع عربي عالم في التغذية والصحة) ومفاد الملاحظة أن عبارة (مجتمع عربي) ربما في غير محلها؛ لعدم اختصاص البحث بمجتمع عن مجتمع أولًا، وثانيا الكتاب يتناول موضوع افتقار المتلقي لأدوات البحث العلمي مما يؤدي إلى قبول حتى المعلومات الخاطئة وهذا الأمر ليس شائعا في المجتمع العربي فقط بل يوجد في مجتمعات أخرى وقد أثبت الكاتب نفسه عندما تطرق لأحد العلماء- لينوس باولنغ – الحاصل على جائزتي نوبل الذي صرح بمعلومات وانتشرت في العالم رغم افتقارها للصحة وأيضا عدم وجود أدلة كافية عليها.وأخيرا جميل أن تخاطب الفئة المستهدفة ولكن ما أعلمه أن هناك شخصيات تعيش في مجتمعات غربية وتتقن العربية وتقرأ وتتطلع من كل بحر قطرة وعندئذ العنوان ينتفي للقارئ الأجنبي في حين أن الطرح يخاطب الإنسان بمختلف مجتمعاته. وللتقريب أكثر لو طرح العنوان هكذا (حتى النخاع.. خطوة لصنع مجتمع عالم في التغذية والصحة) أو (خطوة لصنع عَالم عالِم في التغذية والصحة) لكان أكثر شمولية وأصوب.
الملاحظة الثانية:
هناك قطع من الكاتب فيما يتعلق بمنهج العلمي التجريبي في الفصل الأول ص ٢٤ ونصه: “المنهج العلمي التجريبي هو أفضل ما وصل إليه الإنسان للاقتراب من الحقائق الملموسة” ومن باب أن الكاتب في صدد بيان المعلومات العلمية من غير العلمية يجعلنا نطرح تساؤل، وهو: ما هو الدليل العلمي على أن المنهج العلمي التجريبي (أفضل) ما وصل إليه الإنسان للاقتراب من الحقائق الملموسة؟ لماذا لا يكون المنهج التجريدي ونحن في ظل عصر التقدم العلمي وثورة الفلسفة لا يكون التجريدي أفضل؟
أعتقد لو أضاف الكاتب عبارة (من) قبل (أفضل) لنجا من تصادم المناهج.
الملاحظة الثالثة:
الفصل الثاني كما يبدو لي نزهة منطقية في ساحة العلم التجريبي بمعنى أن ما تم طرحه في بعض المواضع هي كشف عن مغالطات منطقية يقع فيها المجتمع لا أكثر. وعلى سبيل المثال يقول الكاتب ص ٣٨ ما نصه: “يشيع في الأوساط الاجتماعية استعمالات غير دقيقة ككلمة (علمي) أو (العلم أثبت) وشبه ذلك، من غير الاستناد إلى دليل علمي مراجع” وهذه من المغالطات المنطقية وتدعى الاحتكام إلى السُلطة وكان بالإمكان العروج نحو المنطق وبيان أبعاده لتدعيم البحث وجعله أكثر تماسكًا وقوة لخلق عالم صحي فكريًا وجسديًا.