وقفة للتأمل!

لماذا لا نستفيد من التجارب المهمة لبعض الدول و المجتمعات، فعلى سبيل المثال نلاحظ أنهم يعتمدون اعتمادًا مطلقًا على ما يبثه إعلامهم ومؤسساتهم في تلقي المعلومات والتحذيرات فيما يخص شؤونهم وحياتهم كاملة، وليس لديهم ما تعانيه بعض مجتمعاتنا من نشر الإشاعات والأقاويل المزيفة وتداول الأخبار الكاذبة.

إن من أخطر ما تواجهه المجتمعات ويفتك بالأمة ويفرّق أهلها هو إساءة بعضهم الظن بالبعض الآخر، ويقضي ذلك إلى عدم الثقة بينهم، وهذه الإساءة بالظن من الوسائل المؤدية إلى الفتنة والجريمة ضد أمن المجتمع وتماسكه.

إن تنوع الإشاعات والمشاركة في نشرها أصبحت ليست من الصعوبة بمكان، فهناك من يتفنن في ترويجها عبر القنوات المتعددة من التواصل الاجتماعي المعاصر وفي وسائط التقنيات عبر شبكات الإنترنت وما تحمله العولمة المعاصرة من وسائل هائلة، وهي جميعها مرتبطة بالأزمات والمواضيع الساخنة التي تمس حياة الإنسان وفيها من الأساءة لسمعة المجتمع والوطن بأكمله.

ومن أكبر المخاطر في زماننا هذا هو تعامل البعض مع أي معلومة على أنها معلومة صحيحة فيقوم بنشرها من دون تمحيص ولا تدقيق ولا تأكّد من صحة هذه المعلومة على الرغم من كون تلك المعلومات أو الأخبار كاذبة، وهي ليست من الحقيقة بشيء، ومنها ما ينبغي سترها لأن فيها إيذاء للناس وفي نقلها وبثها إثم وبهتان عظيم، فكم من أسر دمرت وكم من قلوب وأفئدة أصابها الحزن والحسرة بسبب هذه الإشاعات، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، والإسلام يحرم إشاعة ما يمس أعراض الناس وأسرارهم الخاصة قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}، وعلى الإنسان المسلم ألا يسيء الظن بأخيه المسلم، ولا يشيع الأخبار الكاذبة، والإشاعات المشينة، ومن الآيات القرآنية الكريمة المحذرة، قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}، وقوله تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ}، وأن الحكم الشرعي المترتب على الشائعات الكاذبة لأعراض الناس فهو حد القذف قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}، وقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

إن الإنسان المسلم مسؤول أمام الله (عز وجل) ومحاسب عن كل صغيرة وكبيرة قال تعالى: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، حيث إننا أمة تخضع لقانون ودستور منزّل من الله (عز وجل) وعلينا من الواجبات والحقوق خصنا الله بها، لذا على الإنسان العاقل ألا تستخفه تلك الشبهات وألا تستهلك من طاقاته ووقته وتفكيره مما يفتح على نفسه وعلى من حوله أبواب وعقبات وجراحات موجعة وهو في الأساس غني عنها، ولا يجعل أدنى مجال لهذه الإشاعات البغيضة أن تتسلل لتكون سببًا لحدوث الهموم والقلق، وعليه ألا يبعد بقلبه من الثبات والإيمان بالله (عز وجل)، وليكن ذلك الشخص المؤمن القوي المدرك والمتمثل بقول الله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}.


error: المحتوي محمي