عبر التاريخ الغابر والحاضر تطالعنا قضايا وأفكار ربما تعصف بالمجتمع وتحيل المسلمات إلى نظريات واحتمالات، بل قد تجعل الحقائق المؤكدة مجرد أوهام وخيالات لا واقع لها.
ومن تلك الأمثلة التي تدخلت فيها بعض العوامل التي حولت المجتمع الاسلامي إلى فرق وصراعات عبر الزمن ما طرحه النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) من حديث متواتر أصبحت شهرته كبيرة “حديث الثقلين”، والذي طاله التحريف والتصحيف؛ لتصبح كلمة السنة النبوية بديلاً للعترة المصطفوية رغم أنه كان تغيراً بسيطاً متعمداً، لكنه أخذ المجتمع الاسلامي إلى ما لا يحمد عقباه، فانحرفوا عن الجادة ومالوا عن الصراط المستقيم.
وليست تلك القضية هي أول التغيير أو الوحيد؛ فالمتأمل في حديث الغدير الذي جعل من الشيخ الأميني يؤلف تلك الموسوعة العظيمة المسماة “الغدير” في زمن كان أدوات البحث والتنقيب عن المصادر فيها من الصعوبة بل العسورة بمكان أن يجابَه ويعارَض ولا يقام له وزن بين المسلمين.
ونماذج التغيير كثيرة حتى أصبحت “الأمة الوسط” التي مدحها القرآن تتجرأ على حفيد الرسول (صلى الله عليه وآله) الحسين (عليه السلام) بقتلة شنيعة يندى لها الجبين ويغيب عن الأمة الوجه الصالح، ولتظهر أمة وتدافع عن الوجه الطالح (يزيد) ويدعى زوراً أنه المفترى عليه؛ والحال أن العلماء أجمعوا على أنه لم يكن من الأولياء الصالحين ولا من العلماء المتقين، بل نص كثير من أهل العلم على اشتهاره بالمساوئ والقبائح، ووصل بعض العلماء إلى حد التأليف في جواز لعنه وثلبه كأبي يعلى وابن الجوزي والسيوطي.
كل عصر ومصر تمر تجارب على المجتمعات وإثارات تغيب من خلالها بعض الحقائق، وما الكلام عن انتشار بعض الأمراض والأوبئة بين الفينة والأخرى وبطرق قد تحاصر ذلك المجتمع وتعزله عن الآخرين وينتج عن تلك العزلة أضرار كبيرة وتغيرات كثيرة على مستوى المجتمعات إلا نماذج.
وليس في التعاطي مع حادثة العائد إلى أهله بالسلامة “موسى الخنيزي” الذي أقر الله أعين أسرته وبلدته الطيبة، ببعيدة عنا، فقد عايشها المجتمع بكل أطيافه وتعاطى معها كل حسب توجهاته وميوله، فالقصص التي حاكتها الخيالات ونشرها الإعلام على مختلف أنواعه وردود بعض الأفعال سواء المتزنة أو غيرها التي نسيت القضية وراحت تولول وتتناسى ذلك الإجرام في حق المجتمع الكبير، وأن ما قامت به الخاطفة أو المتبنية هو جرم في حق الأطفال وأسرهم.
واهتمت تلك الشريحة بمصير الشاب الطائفي؛ هل سيغير معتقده والبعض يتمنى أن يحرم منه والداه ولا أن يصبح شيعياً رغم إعلان والده أن لابنه حرية الاختيار، وكفالة القانون والاعتراف بالمذهب الشيعي من ضمن مجموعة المذاهب التي أقرت في مؤتمر مكة.
وفي المقابل، أخفيت بعض الأحداث عن المجتمع في قضية موسى سواء كانت هناك بعض المصالح من إخفائها أم لا، وقد تضاربت الأخبار هل كان موسى مع الأسرة قبل الإعلان الرسمي بيومين أم لا؟!
والأعجب أن يظهر أحد أهل الاختصاص من المحامين ويصرح بزعمه أن المرأة بريئة حتى يكتشف المجتمع أن الطفل (القرادي) الذي تمت سرقته من مستشفى القطيف مسجل في السجلات الرسمية وله هوية مزورة، فيا ترى هل الآن يدخل هذا في تضليل المجتمع وأنهم سيترافعون عنها إنسانياً وهل ما فعلته فيه شيء من الإنسانية.
فالنتائج تظهر أن هناك بعض الأمور تُسيّر من قبل الإعلام ويوجه المجتمع إلى ما يصبو إليه.
والخلاصة في أن كلنا يعلم أن الإعلام هو السلطة الرابعة التي تتحكم في مصير كثير من المجتمعات ونعلم يقيناً دوره البارز، لكن ما يجب علينا هو أن نكون واعين لما يراد من التغيير الأيديولوجي للمجتمعات عبر الإعلام.