الجمعة 20 جمادى الآخرة1441ھـ، يبدو تاريخًا عاديًا للكثيرين ولكنّهُ تاريخٌ فارق لأسرة خادمة أهل البيت (عليهم السلام) الحاجة صفية حسن آل رمضان، بعد أن رحلت وأخذت معها ذاكرتها البعيدة المثقلة ألمًا وحسرة إلى أكثر من 34 عامًا حينما خرج فلذة كبدها عبد العزيز من منزله ولم يعد حتى فارقت روحها الحياة وهي بعدُ لا تزال بيديها الضعيفتين تتمسك بقشات الأمل المتناثرة في الهواء لعودتهِ، فلا عاد عبد العزيز، ولا بقيت تلك الأم الثكلى، فقد غادرت الحياة وهي لا تعلم مصير ذلك الابن.
الذاكرة البعيدة
قصة الحاجة الراحلة تعودُ بنا لما يربو على 34 عامًا حين خرج ابنها عبد العزيز من منزله، ولم يعد.
34 عامًا هي ذلك الفاصل الزمني بين عبد العزيز وأسرته.. فاصلٌ لم يستطع أن يمحو من ذاكرتهم أحداثًا وتفاصيل عاشها عبد العزيز معهم، لقد خرج الحوار بعمر الـ30، وبحسبةٍ بسيطة فهو وإن كان حيًا في مكان ما فقد بلغ الـ64 من عمره.
الطيّب المُحبّ
تتذكر أخته أميرة الحوار بكلّ دقة سمات أخيها المفقود فتقول لـ«القطيف اليوم»: “أتذكرهُ شابًا وسيمًا طيبًا سمح الأخلاق ومحبًّا للجميع، لقد كانَ يعمل موظفًا في مستشفى القطيف بالشويكة، أكمل نصف دينه بزواجهِ من ابنة عمه لكنّ الحياة الزوجية لم تدم بينهما فانفصلا قبل اكتمال الفرح وتزوجت برجلٍ آخر”.
يومٌ لا يُذكر.. لا يُنسى
أقفل عبد العزيز باب منزله ولم يعد، فقد كان يعاني اضطرابًا، يتناول معه الأدوية إلى وقت خروجه الذي لم يعد منه، حتى انقطعت كل أخباره فما علموا أأرضًا ضمّتهُ أم سماء! أحيًّا فيرتجونه، أم ميتًا فيبكونه!
ولا أثر
وعلى أمل العثور عليه تم إخبار السلطات بفقده، ولكن خيوط الأمل ضعُفت ولم يُعثر لهُ على أثر.
أملٌ وحسرة
وبين الأمل واليأس والحسرة عانت الحاجة صفية الأمرّين، مشاعرٌ من الصعب أن تفهمها إلا أمٌ ثكلت وانفطر قلبها.
تقول الحوار: “كانت والدتي ترعاه وتقدّم له أدويته وفي قلبها حسرة على شبابه وحالته النفسية، لكن تلك الحسرة انقلبت جمرًا بفراقه، دعت كثيرًا لتعرف أين هو فلذة كبدها لتستقر نفسيتها وترتاح، لم تفقد الأمل يومًا وما خبا صوتُ دعائها على سجادة الصلاة”.
ألم آخر
عبدالعزيز ليس قصة الألم الوحيدة التي عاشتها الحاجة صفية، بل إنها عاشت تفاصيل أخرى للألم، حيثُ كانت تجلس مع ابنها الآخر إبراهيم، يتناولان وجبة الإفطار معًا، ويتبادلان أحاديث الصباح الودّية،ثمّ قبّل جبينها مودعًا وتراتيل الدعاء تزفُّ خروجه، لكنّها لم تعلم أنّ دعاءها كان يزفّ الشباب إلى مرقدهِ الأخير.
فما هي إلا برهة من الوقت وصوتُ القارئ على روحه الطاهرة يضجّ بالحي بعد أن سلّم روحَه لبارئها على طاولة الدراسة في فصله.
بيْد أنّ المذهل أنّ “إبراهيم” لم يكن فقيد الحاجة صفية الوحيد فقد اختبرها الله بفقد بنين أربعة قبله، ثم كان تمحيصُ اختبارها بابنها عبد العزيز أحمد الحوار الذي خرج من بيته عام 1405ھـ، ولم يعد.
قبرٌ وقبر
وبمشاعر الأخت الفاقدة تكمل أميرة حديثها: “كان المرحوم أخي إبراهيم شقيق المفقود عبد العزيز شابًا صالحًا جليس المساجد ورادودًا يحبّ الإنشاد، تألمت والدتي الحاجة صفية لفقده كثيرًا، لكنّها عندما تشتاق له تزورُ المقبرة وتقف على قبره وتدعو له أما عبد العزيز فقد أقبرتهُ قلبها الذي توقف نبضهُ وما هدأ يومًا عن الدعاء لعودته، رحلت أمي وحملتُ دعاءها إرثًا على أمل أن يعود”.