أسئلةٌ كثيرة لابد أن يجيبَ عنها كل البشر ذات الجواب، وإلا هناك خللٌ في مكانٍ ما. فماذا لو سألنا: إذا انزاح الغطاء من فوق صغاركم في ليالي الشتاء مرةً واثنتين وثلاث فهل تعيدونه عليهم؟ هل إذا مرضوا تعطونهم الدواءَ وإن كان مراً كالحنظل ورغمَ أنوفهم؟ لأنكم بشر أينما تكونون، وكم تملكون من المال والجاه أو لا تملكون، ورغم اختلاف ما تعتقدون، لا أشك أن الجوابَ عنها كان بنعم.
إذاً: لماذا عندما يكبر صغارنا نَدخل في الرحمةِ المنقوصة؟ حين نضعف ونحتاج أبناءنا نزعم أننا لا نريد أن نُكلفهم ما لا طاقةَ لهم به، وهم مشغولون بحياتهم ونجد لهم ألفَ عذرٍ حتى لا ندخلهم الجنة ونقيهم اللعنات رغم أنوفهم. ربما هم يودون أن يخدمونا، فقط لو قلنا لهم تعالوا وساعدونا، تعالوا وشاركونا! أعينوهم على الانتقالِ إلى مراتبِ الكمال وسوف يعرفونَ أنكم لم تحبوهم حباً ناقصاً ليس فيه إلا الدلالَ والغنج واللا مسؤولية. سوف يشكرونَكم لأنكم علمتموهم كيف يكونونَ بارين بكم ولو بقليلٍ من الكلفةِ والتعب.
كبر نبي الله إبراهيم (ع) ولم يكن له ولد فلما وُلد له إسماعيل (ع) كان هو الذي أعانه في رفعِ القواعد من البيت وربما لم يكل ولم يمل إسماعيل من مناولة أبيه أحجارَ الكعبة. لم يقل إبراهيم (ع): يا رب أخشى على ابني من حرِّ شمس الحجاز، ولم يقل إسماعيل: يا أبتي أعتذر إليك فأنا مشغولٌ بعائلتي. هكذا خلد اسم إبراهيم وإسماعيل في القرآن أنهما بنيا الكعبةَ معاً.
كثيراً ما سمعت آباء يشكون من تخدر عواطفِ الأبناء وكأن الأبناء نسوا كم ليلةً استيقظت فيها الأم وكم ليلةً نام فيها الأب على وجل! أبناء وبنات يخسرون لحظاتٍ من المفترض أن كانت خالدةً في حياتهم يقصون حكاياتها على أبنائهم الذين سوف يتذكرونها ويقولون: هكذا كان أبي وأمي بارين وهكذا سوف أكون باراً بهما!
كم من لحظة تمر على الأب والأم، في حياةِ ذلك الصغير قبل أن يكبر، يسألون أنفسهم فيها ألفَ سؤال: هل أكل أم جاع؟ هل مرض أم شفي؟ هل نجح أم أخفق؟ هل غفا أم استيقظ؟ هل منامه باردٌ أم حار؟ تكبر تلك الأسئلة في جديتها وكثرتها مع الزمن ولا تنتهي حتى في القبور. فهلا أعنا أولادنا على أن يسعدوا بطاعةِ الله فينا حتى لا نضطر للسؤال: هل هم سعداء أم أشقياء؟ تبا لنا فلنبكِ إن انتهوا ليس إلا صوراً على حيطان وصارت أجوبة تلك الأسئلة خطوطاً على الرمال!
جاء عن النبي محمد (ص): “رحم اللهُ والداً أعان ولده على بره”. وجاء عن علي (ع): “أعينوا أولادكم على بركم، من شاء استخرج العقوق من ولده”.
صدقوني ليس أشق على النفس من أن تنتهيَ كل الذكريات لتكون فقط صوراً جميلةً وقديمةً على الجدران!