الأحمد: العمل تطلبهُ لا يطلبك.. درست الطب ومارستُ النجارة  

“الفضلُ ابني” رسالةٌ من كلمتين فقط تُصاحبُها مجموعة من الصور، أرسلتها إحدى المعلمات في إحدى مدارس القطيف لزميلاتها في وسائل التواصل الاجتماعي.

تصفّحت المعلّمات تلك الصور لأحواض خشبية للزرع والورد بكلِّ إعجاب متسائلاتٍ عن سرّ تلك العبارة والصور؛ فأخبرتهن زميلتهن أنّها مشروع ابنها البكر “الفضل”، ومن غير تردّد سارعن بطلب أحواضهن باختلاف مقاساتها ولم يكن دافعهن سوى انبهارهن بعملهِ المتميّز.

لكن المفاجأة أنّ تلك الصور تحكي رحلة كفاحٍ عاشها فاضل الأحمد أو كما تسميه والدته “الفضل” الذي تخرّج في عام 2018 وحصل على البكالوريوس في طب وجراحة الأسنان، إلا أن الفرصة لم تكن ذهبية كما توقعها، ولم تكن الوظيفة تنتظرٰ تخرجه بشوق، فالمتاهات أمامه كثيرة والطرق لم تكن معبّدة.

لم يُكن حُلُمًا
يذكر الأحمد لـ«القطيف اليوم» أن تخصّص الطب لم يكن حلمه منذُ الصغر ولم يكن لعائلتهِ دورٌ في اختياره، لقد كان حُلمًا كبيرًا صنعتهُ لهُ يقظة الشباب فشمّر عن ساعديه لتحقيقه، أما اختيارهُ لطبّ الأسنان فلأنه طبٌ عملي ودراستهُ كذلك كما أنهُ يراه حرفةً يدوية مميزة.

دهليز
عندما تخرّجَ كان في داخله آمال الكثير من الشباب التي هوّنت عليهم ليالي سنوات الدراسة الطويلة، ولكنه بدلًا من أن يجد الطريق سالكًا وجدَ متاهةً صعبةً جدًا كالدهليز؛ فلا الوظيفة كانت تنتظره، ولا مرآة الأسنان ومسباره وملقطهُ وإبرتهُ وشاشهُ والكمامات المُعقّمة اشتاقتهُ.

يدٌ وخشب
وأوضح أن فرص الوظيفة انعدمت أمامه لكنّ العزيمة والإرادة لم تمُتْ في داخله كطبيب أسنان، مشيرًا إلى أنّ تلك الموهبة التي كان يحبها في الماضي أبت إلا أن تعود إلى يده؛ ليكون الخشب والمنشار والمطرقة والمفك والبراغي أدواتهُ الجديدة في عالمهِ المهني الجديد؛ ليصنع الأحواض الخشبية والكراسي المميزة.

وعن مهنتهِ الجديدة التي استقطبت الكثير من المعجبين والزبائن قال: “لقد كنتُ أُحبّ أن أزرع في بيتي بنفسي وأميّز ذلك الزرع بأحواض مختلفة عن تلك الموجودة بالسوق، والأحواض الخشبية كانت في الأساس موجودة في بالي ففكرّتُ في عملها وابتدأتُ رحلة البحث عن الخشب وطرق استدامتهِ بشكلٍ يخدمني في الزراعة”.

وأضاف: “مزاولة المهن اليدوية أمرٌ في منتهى الجمال وفيه يقلّ الإحساس بوقت العمل من وجهة نظري”.

ثلاثة أيام
وتابع بقوله: “البدايات صعبة لكلّ عمل في أوله، ولقد تطلبّ الأمر ثلاثة أيام لأول حوضٍ، أمّا الآن ومع المزاولة فقد اختلف الوضع جداً، كما تطوّرَ العملُ أيضًا من ناحية الخشب المستخدم ومن ناحية العزل الخارجي ومقاومة أشعة الشمس”.

دعم
مع مهنةٍ غير متوقعة لابنهم، لم تبخل الأسرة بتقديم الدعم اللازم له، فأتاهُ التشجيع والدعم من والديه وزوجته، كما أن هناك فضلًا كثيرًا يمتنُّ بهِ لإخوانه الذين قاموا بمشاركته وتقديم المساعدة لهُ في كل وقت حسب قوله.

وخلال تنفيذه لعمله كان كالمغناطيس يجذب الزبائن الذين يعشقون الزرع والأحواض مصاحبًا للتميّز والاختلاف، لا سيّما من أهالي القطيف والأحساء موطنهُ الأصلي، معتبرًا زبائنه داعم إضافي له.

بابهُ مفتوح
ويحمل مشروع الفضل رسالة قوية إيجابية إلى الشباب الذين لم تواتيهم فرص التوظيف، حول تلك الرسالة ختم حديثهُ بِقوله: “بابُ الرزق مفتوحٌ لطالبه، والأعمال لا تقيّدها الوظيفة أو الشركة ووجود الشهادة الطبية أو الهندسية أو عدمها، فالعملُ تطلبهُ لا يطلبك، فقط ثق بقدراتك وذاتك ولا تفقد الأمل وتسلّح بكثيرٍ من التجارب والخبرات واغتنم الفرص”.


error: المحتوي محمي