ما أحلى الأوقات التي يقضيها كل فرد عائلي داخل عائلته، كحضنٍ تتوفر داخله سمات الاستقرار وتسودهُ روح الوئام، كمعراجٍ نحو تنمية الأبوين أو الوالدين لمعاني الإثراء العائلي لكل ما يجعل الحُبّ منهلًا عذبًا لهما ولأبنائهما.
وينطلق الحديث بمشهد تصوّره عيون الحياة اليومية التي يمرّ أمام عدساتها أعداد هائلة من الصور العائلية، ومن ذلك قصّة الفتى الصغير الذي وجد نفسه فجأة يعيش بين أبوين انفعاليين ولا يقودهما سوى الغضب الذي أفقد فتى الخامسة عشرة توازنه، ووضعه أمام ظروف مضطربة وعنيفة بسّلة سلوكية لا تضمّ غير الفعل الخشن والكلمة الجافّة من أبسط مقوّمات الألفة والاستقرار.
المشهد ذاته تتكرر سرديته الفاتكة ويعلو الطوفان مساحات مأزومة داخل بيت يجد الفتى نفسه، بعد سنوات من هذه الظروف العائلية العاصفة، أمام مفترق طرق، كره بعده الاقتراب من عائلة أمّه ومن عائلة أبيه، بسبب ما كان لكلّ طرف من إذكاء للخلاف الذي انتقل من طور إلى آخر إلى أن افترق الزوجان بالطلاق.
أمّا الفتى الذي أتعبه الصّراع فهو الضحية الأولى لمآلات هذه العلاقة الأسرية التي اجتاحت آماله، وغرست أنياب الآلام بين عينيه، حتى بدا شاحبًا سئمًا، يعيش المجهول وتبحر زوارقه في اللا جهة.
هذا مشهد خاطف مقتطع من بعض قصص الواقع، وليس ديباجة لعمل سرديّ، فإن ارتفاع معدّلات التفارق الزوجي يضع الاستقرار الأسري للأبناء في انتكاسة تؤثر على الشخصية التي تفترسها لحظات العنف اللفظي والجسدي التي تسجلها أعينهم وتقضّ تفاصيلها مضاجعهم.
يبدو أن مفهوم الأسرة المعاصرة يتعرض لمجموعة تحديات تفقده القدرة على الاستقرار، بل تنزع منه صفة الاستعداد القبلي لتفعيل ذلك.
في هذا الوقت تنمو الحاجة أكثر لتعزيز مصاديق «الإثراء المعنوي» لعلاقاتنا الأسرية، هذا التوجّه هو حاجة نفسية أولا، ويستفيض التأكيد على أهمية حضوره في واقعنا النفسي والمعنوي، كفعل وممارسة تزيح عن كاهل كل لحظة نعيشها ما يشوّهها أو يأخذها إلى جغرافيا العوائل البدائية التي نقرأ عن واقعها الاجتماعي والسلوكي أو نشاهد مقطعًا غريبًا عن عاداتها، فنجد ما يبرر إضافة الوصف البدائي لهذه المجتمعات، لكنّ نسبة ليست قليلة في مجتمعاتنا صارت تفتقد تدريجيًا الكثير من القابليات والمهارات المتعلقة باجتماعيات الاستقرار العائلي.
ومن جهة أخرى أجد أنّ خطابنا الثقافي يمكنه أن يضمّ محتوى إنسانيًا يفرد فيه أوراق البحث والعلاج لكثير من أوجه القصور التي تعصف بالمشهد العائلي والأسري، إذ لا يمكن أن نكتفي بأدوات الخطاب الوعظي في علاج مشاكلنا دون تنمية الأدوات الأخرى وتوظيفها نظريًا وعمليًا.