هلا سميتيهَا مريم؟

قد لا يعيب الاسمُ الناقص كمالَ الروح كما لا يعيب الثوبُ البالي من يلبسه. لكن بعد خمسينَ سنة سوف يعرف كثيرٌ من الصبيان والصبايا أن في أسمائهم ليس كل ما يلمع من الذهب وليس كل نافع نفيس.

جيء لصاحبي ببنت، فرحتُ له وسألته عن اسمها، تمتمَ اسماً لم أعرفه وقال: هذا الاسم يعني في اللغة العربية “النخلة الصغيرة”. قلت له: ولماذا إذاً لم تسمها نخلة؟ هي نخلة صغيرة الآن، فهل سوف تغير اسمها عندما تكبر؟ كل الأسماء تبدو جميلة حينما نكون في عهد الطفولة والصبا، لكننا نكبر ونحتاج اسماً يكبر معنا في النطق والمعنى. الاسم الجميل حقٌّ للمواليد أصبح مضيعاً، وعلى الخصوص أسماء الفتيات، فلا تكاد تعرف معنى اسمٍ دون أن تسأل!

وراء كل اسمٍ من أسماء البشر قصة تدل على حَامله وتُعرف الناسَ به. يحكي تاريخه وجذوره وعلى الأغلب كيف سيكون لحامله نصيباً منه، لذلك حق على الآباء والأمهات حسن الاختيار والنظر في كيف سيكبر الصغير ويرى اسمه، وكيف سيراه الناس. فماذا عنا والأسماء إذاً؟

حمامةُ الحي لا تطرب والاسم الأصيل لا يغري! هكذا هي حال أسماء أبناء الجيل الجديد. تحتاج أن تفتحَ قواميسَ اللغات الأجنبية لتفهم معناها، هذا إن كان لها معنى في أيِّ لغةٍ أصلا. أسماءٌ في كلماتٍ من ثلاثة أو أربعة حروف يصعب نطقها، وطفولية المعنى سوف ترافق صبيانَ وصبايا الجيل الحاضر إلا ما ندر. غربيةٌ وغريبةٌ في لفظها فكيف ستبدو عندما يكونون كهولاً وشيوخاً، حجاجاً وحاجات؟ المهم أنها تكون فرنجية وعصرية الآن!

تزوجت “حنة” عمرانَ (ع) ومضت سنوات على الزواج بغير أن ترزق مولوداً. وفي أحد الأيّام بينما هي جالسة تحت شجرة، رأت طائراً يطعم فراخه. فأشعل هذا المشهد نارَ حبّ الأُمومة في قلبها، فتوجّهت إلى الله بمجامع قلبها طالبةً منه أن يرزقها مولوداً، فاستجاب الله دعاءها الخالص، ولم تمض مدّة طويلة حتّى حملت. ولما ولدت ابنتها سمتها “مريم” وتعني بلغتها “العابدة”. ثم طلبت من الله – بعد أن سمّتها – أن يحفظها ونسلها من وسوسة الشياطين، وأن يرعاهم بحمايته ولطفه {وإنّي أُعيذها بِكَ وذُرّيتها من الشيطان الرجيم}…

وكانت أسماء العرب تشتق من البيئةِ والصفاتِ الجميلة التي تمثل الشجاعةَ والكرم والوفاء، وفيها أيضاً ما لا يستساغ من الأسماء! حيث سمت العربُ أبناءها بما غلظ وخشن ودلَّ على القوة كأسماء صخر وجندل وفهر وحجر، وأسد وليث وذئب. على كل حال هي أسماء تدل على مسمى في اللغةِ العربية مما يرونه ويعرفونه من أسماءِ الحيوان وغيرها في حياةِ البرية والصحراء، فترى الرجل يخرج من منزله وامرأته تمخض، فيسمّي ما تلده باسم أول ما يلقاه من مما يراه حوله.

ثم جاء الإسلام وحسّن الأسماءَ لتكون رقيقةً وجميلة في عبودية الله، وأسماء الأنبياء والأولياء. والآن أصبح تغريب الأسماء دلالةَ التحضر فيما هو يشبه النكوص والعودة عن الجمال والفخامة في الأسماء!


error: المحتوي محمي