قصة حدثت في إحدى مناطق القطيف، ساقها الاختصاصي النفسي فيصل آل عجيان، تدور حول فتاة قادتها الصدفة لأن تطرق أبواب مدعي المعالجة بفك السحر والخواتم، بعد أن اتصلت بأحدهم في واحدة من القنوات الفضائية، يحركها فضول التجربة للسؤال حول أمر يخص والدتها، إلا أن متلقي اتصالها بدأ في تحويل الحديث حولها حتى أقنعها بأنها تحتاج هي الأخرى لعلاجه، ومن بابه إلى باب من يشبهه؛ بدأت تبحث لديهم عن ما تظنه ضالتها، فصرفت على تلك الأوهام عشرات الآلاف، إلا أنها استيقظت فجأة لتفكر بعقلانية؛ هل استفدت حقًا مما أفعل؟ العقل يقول لا، تركت أمرها بيدي الله مؤمنةً أنه وحده من يملك ذلك الأمر، وأيقنت أنه:”لو اجتمع الإنس والجن على أن يضروها بشيء لم يقدرها الله لها فلن يصيبها منه شيء”.
تلك القصة سردها “آل عجيان”، مستشهدًا بها حول الأفكار اللاعقلانية وأين يمكن أن تقود صاحبها، وذلك خلال محاضرة قدمها في مجلس أم البنين “ع”، بالدمام.
وذكر آل عجيان أن الفرق بين العقلاني واللاعقلاني ليس النفي كما تبديه اللغة، ولكن هناك فروقات كبيرة بينها، بل وفي تأثير استخدام العقل على الإنسان ومسارات حياته الصحية والنفسية والاجتماعية والعملية.
تجربة “أليس”
وقال: “الفكرة الأساسية مستوحاة من العالم “ألبرت أليس”، فعندما كان عمره 13 سنة أصيب بمشكلة نفسية، وهي الخوف المبالغ فيه (الرهاب)، وكاد يفقد حياته خلال إحدى النوبات، ولكنه غير طريقة تفكيره، مما جعله أكثر عقلانية وشجاعة، وبعد ذلك بدأ ينصح كل من يصادفه في حياته ولديه مشكلة ما، بأن يغير من أفكاره، ويغير كلامه مع نفسه.
وأكد أنه نجح مع كثير من الحالات، مما جعله يتخصص في علم النفس، وأصبح صاحب أشهر مدارس علم النفس وأنجحها، لأن هذا المنهج ينقذ حياة الشخص من جحيم الأفكار الخاطئة، التي تدمر علاقاته، وربما حياته.
تجنب الإصابات النفسية
وأضاف: “حينما نفكر بطريقة عقلانية ومنطقية نتجنب الإصابة بالأمراض النفسية، والعكس صحيح؛ فالأفكار غير المنطقية تسبب الاضطرابات النفسية، كما أن الاضطرابات والأمراض النفسية يقع أصحابها نتيجة للتفكير غير العقلاني”.
الأفكار اللاعقلانية
وعرف الأفكار اللاعقلانية بأنها مجموعة من الأفكار الخاطئة الشائعة، المكدرة، التي يتبناها الأفراد، والمبنية على تعميمات خطأ، ومطالبات مبالغ فيها.
ونوه بأن الاستنتاجات السلبية، والتعميمات الخطأ والقبول المطلق لآراء الآخرين تحدث تشوهات في الفهم، ينتج عنه قلق وتهويل ومبالغات تشير إلى اضطرابات في الشخصية.
كلا الاتجاهين
واستطرد: “كطبيعة بشرية، نحن نفكر بكلا الاتجاهين، أحيانًا بعقلانية، وأحيانًا بغير عقلانية، وعندما نرمي بالأسباب على أمور خارج إرادتنا؛ كأن نقول هناك سحر أو عمل، أو مدرس لا يشرح، فهذه كلها أعذار لا عقلانية، وهنا يجب أن يقف الإنسان أمام نفسه وإخفاقاته، ويبحث عن الأسباب الحقيقية التي أدت للفشل”.
رسائل عصبية
وأوضح أن الخلايا العصبية متشابكة بشكل لا يمكن تخيله، ولذلك عندما يقلق الإنسان أو يفكر، ترسل هذه الخلايا العصبية آلاف الرسائل لبعضها البعض، في حين أن الأفكار العقلانية تساعد على حل كثير من المشاكل المرضية، مثل أزمات الربو، والسرطان، وضرب مثًلا لإحدى الحالات المصابة بالسرطان، والتي كانت لها أخت مصابة بنفس المرض، وتوفاها الله، وتقول: “أختي عاشت آخر خمس سنوات من حياتها في هم وغم، ونفسية صعبة، وكانت تتخيل الموت متربصًا بها، فقررت ألا أعيش نفس تجربتها، رغم إصابتي بالمرض”، وسبحان الله أنها عاشت مدة أطول، فكلما كان الإنسان أكثر عقلانية كان أكثر سعادة، وارتياحًا، وأكثر قدرة على التسامح.
قضية التسامح
وعرج على قضية التسامح مستشهدًا بأن البعض يقول إن فلانًا لا يستحق أن أسامحه، وهنا نقول؛ التسامح ليس من أجل هذا أو ذاك، ولكن من أجلك أنت، فالأحقاد وعدم التسامح، أول تأثيراتها تكون على صاحبها، والخلاصة أنه كلما كانت الأفكار العقلانية حاضرة، كلما كانت الصحة العامة جيدة.
معتقدات وأسباب
وأشار إلى أن المدرسة النفسية السابقة كانت تعتقد أن الأسباب الخارجية هي المؤثر، مثل وفاة عزيز، فمن الطبيعي أن تشعر بالاكتئاب، والحزن، لكن إذا مرت ستة أشهر وما زلت في الحزن، هنا يدخل في الأفكار غير العقلانية.
وقال: “ومن هنا تبين أن المعتقدات هي التي تؤثر على الإنسان، في حين أن الأفكار اللاعقلانية هي التي تشوش على تفكيره، فالإنسان بطبيعته قادر على تحمل المصائب، ويصبح غير قادر على تحمل الكوارث أو المصائب إذا أصبحت عنده أفكار غير عقلانية، والحقيقة أنه ليست الأحداث التي تؤثر علينا، ولكن أفكارنا ومعتقداتنا.
سمات الأفكار غير العقّلانية
وأكد أن الأفكار غير العقلانية تكون متطرفة، تؤدي إلى الاضطراب النفسي، تعرقل وتعيق تحقيق وإنجاز الأهداف.
من مشجعات العلاج
ونوه “آل عجيان” إلى أن من مشجعات العلاج أن يكون الإنسان قادرًا على التفكير العقلاني، وبالإمكان أن يصحح أفكاره، حتى وإن بدا أنه مصمم على أفكاره.
السلوك يبدأ بفكرة
وأضاف أن الأفكار السلوكية والمعرفية والاجتماعية كلها مرتبطة ببعضها البعض، فالفكرة الخاطئة تسحب معها بعض المشاعر المرتبطة التي يتبعها سلوك، والدليل أن كل المشاحنات تبدأ بالأفكار، وكلما فكرت تفكيرًا عقلانيًا وأعطيت مبررات للطرف الثاني، ونظرت إلى ظروفه ونفسيته، كلما تجاوزت الموقف أو الكلمة السيئة.
“من الضروري”
وأشار إلى أن العلماء لخصوا الأفكار والافتراضات اللاعقلانية في 13 فكرة تقريبًا؛ تسبب الاضطرابات النفسية ومنها؛ تصدر عبارة “من الضروري”؛ فكل ما يأتي بعد هذه العبارة هو فكرة لاعقلانية، فغير العقلاني يعتقد أنه من الضروري ألا يكون هناك تحزبات، وعدم الإهانة، وأحيانًا يعتقد البعض أن “الحب” هو أساس تقييم كل العلاقات، في حين أن كثيرًا من العلاقات يحكمها القانون أو الاحترام وليس الحب، فالأفضل تغيير “من الضروري”.
الإنجاز والاحترام
ولفت إلى أن الفكرة الثانية اللاعقلانية هي الاعتقاد بأنه على الإنسان أن يكون قادرًا ومنجزًا ولديه الكفاءة العالية حتى يكون ذا أهمية، وهذه الفكرة لا عقلانية، لأن الله سبحانه وتعالى كرم بني آدم، ولكن هذه الفكرة تشعره بالدونية وتصيبه بالاكتئاب، فإذا قلت إن الإنسان عليه أن ينجز فهذا جيد وعقلاني، أما إذا ربطت ذلك الإنجاز بقيمته تكون وقعت في اللاعقلانية، وهذه مشكلة توقعك في الدونية.
الأشرار
والفكرة الثالثة ” اللاعقلانية” التي تحدث عنها هي؛ أن الناس الذين لا يحبوننا أشرار ويجب أن يلاموا، ويعاقبوا، وهذه الفكرة تجر إلى عدم التسامح مع الآخرين، والعنف مع الأسرة والناس.
الأهداف والقدرات
واختتم “آل عجيان” اللقاء بالرد على عدد من الأسئلة، منها ما دار حول الأهداف وتحقيقها، وقال: “كلما كانت الأهداف قريبة التحقيق كلما كانت عقلانية، أما إذا ابتعدت الأهداف عن قدراتنا كلما أصبحت صعبة التحقيق وغير عقلانية، فالأهداف الكبيرة ترهقك وتشعرك بالشقاء والتعاسة”.