صهيل خيل وجموح خيول، منطلقات عبر البراري والوديان والقفار والسهول، فرس عربية منتصبة بكبرياء وجمال، الموسى يتغزل في أوصافها، وقوامها ورشاقتها ونظراتها كما تغزل الشاعر العربي بفرسه المعادلة لشهامته وقوته وعنفوان جبروته في الحرب والسلم.
هو مشروع الموسى لمعرضه الجديد القادم، ويكاد أن يكون جاهزاً للعرض، وكاتب السطور هو أول من رأى كامل محتوى المنجز.
فكرة المعرض راودت الفنان منذ زمن، وما بين وقت وآخر يهم بالتنفيذ ثم يتراجع، مؤجلاً المشروع إلى أجل غير مسمى.
ينسى الموضوع حيناً من الوقت بانشغالات حياتية وفنية، وعندما يتراءى له العزم تهرب مفاتيح البداية، عوالم رسم أخرى تأخذه غواية عن الصهيل والجموح، تأتي زوجته لتنبهه من غفلته بطرق السمع تذكيراً بمباشرة التنفيذ نظراً لتجربته السابقة، فقد نفذ في روسيا أعمالاً جرافيكية عن الخيل لاقت قبولاً واستحساناً من لدن أساتذة الجامعة وغيرهم من الفنانين، ومن حرص نتاليا الشديد، تحرض زوجها عملياً للبدء في الرسم اليوم قبل الغد، مسهبة في القول بحماس متقد في وصف جماليات الخيل العربي ذي القوام المختلف عن كل فصائل الخيول الأخرى، وتدعوه بكلام قاطع كسيف الوقت، خذ نصيبك من رسم الخيل ودع عنك التسويف.
الموسى ملتفتاً لما تقوله زوجته بتأمل وتفكر، مستجمعاً معرفته السابقة عن تلك الصفات التكوينية لهذا الكائن العجيب، رغبات واستحضارات تراوح مكانها فلم يعير هذا المخلوق الجمالي ذاك الاهتمام سوى تجارب سابقة، لكن إصرار الزوجة المتكرر جعله يخضع لقولها باستجابة ورضا، مؤمناً سلفاً بجماليات كل الخيول.
ومنذ شهور خلت، انطلق الفنان برحلة بحث عميقة حول عوالم الخيل العربي، فانتقى لقطات متنوعة ضمن توليفات تكوينية تخص ذائقته، أرسى معالمها اشتغالاً بشكل شبه يومي دون انقطاع، معتكفاً بين اللون واللوحة وقليل من الراحة، حماس شديد أسفر عن أعمال يهيم البصر في جماليات الخيول المرسومة بجودة وإتقان، إذ تجاوز عدد اللوحات المنجزة لما يقرب من 36 عملاً، مصوراً ومجسداً بريشته البارعة عدة مشاهد وأوضاع للخيول، في حالات السكون، ووقفات الدلال، وما قبل الانطلاق، ولحظات التوثب، ثم رصد للسابحات جموحاً، والمتراقصات عدواً، إيقاع حوافر تحرث الأرض حرثاً، وأجساد تسبح في الهواء طيراناً، مجاميع تتسابق دون سرج أو لجام، كائنات تعيش حريتها دون وصايا من أحد، لا يسمع إلا صهيلها، ولا يرى إلا كبرياءها ولا يدرك إلا جسدها، خيلاء وهيام والطبيعة حاضرة باهتمام في كنف اللوحة، تفاصيل وعضلات للمكر المفر برشاقة قوام، أعمال تأسر الحواس فتنة وغرام.
الموسى أمعن تجسيداً من وحي الواقع مضيفاً عليها من عوالم خياله لوناً وعنفوان حراك، جاعلاً الأجساد تتمايل رقصاً مستفزاً للطرب البصري، والتماعات جلد الخيل وتطاير شعر الرقبة والذيل، بإسناد ضربات ناعمة من ريشته المتيمة بالتنويع اللوني، استئناس واقعي صرف بلمسات رومانسية، شكلت كائنات تخلب البصر والفؤاد تدعى بنات الريح.
لوحات آسرة رسماً وتلويناً تدعونا للتذوق والتأمل، والقلب يلهج محبة وعرفاناً، واللسان والشفتان يتعطران امتناناً، جل من سواك يا خيلنا العربي.
وبدورها نتاليا أنجزت 5 لوحات عن الفرس لتتقاسم مع زوجها معرضهما القادم كما العادة في كل معارضهما الفنية المشتركة، وأيضاً سوف ترافقهما ابنتهما “أمينة” بلوحة واحدة المختلفة عن طرح والديها حيث خيولهما بلا شخوص، وهي رسمت رجلاً وحيداً ممسكا بخيله كمناجاة للعاشقين.
أعمال نتاليا توزعت بين رسم بالرصاص والفحم وتلوين بالزيت، ومتفاوتة في الحجم والرؤية. الموسى هو الذي دفع زوجته لرسم الخيل، مفضلاً أن تكون معه ولو بالقليل، حوار أناملها مع أنامله، امتناناً لها وتحايا حب لامتناهية، فهي التي دفعته مراراً لرسم وتبني المشروع الجديد، حاضرة معه برؤيتها الفنية والنقدية لحظة بلحظة، بتحفيزات مستمرة وثناء منقطع النظير.
استجابات إيثار تسمو على صهوات الخيول، والزوج ملوحاً إعجاباً بما رسمته نتاليا هامساً لها: “أتعرفين يا حياتي ما هو أجمل شيء في عالم الرسم”، هي أدركت ما سوف يقول، ويسرها أن تسمع تلك العبارة المحببة لها، “أنا أرى أن رسم المرأة والخيل هما أجمل شيء في الوجود”، قالت له: “وأنت أحلى فارس التقطك قلبي من بين كل فرسان العالم”، ورد عليها: “وأنتِ أحلى امرأة رسمها قلبي من بين نساء الكون”.
ريشة زوجين تتناوبان سفراً للحلم والجمال، تدعوان البصر سمعاً والأذن نظراً، لزيارة معرضهما القادم “الهمس في آذان الخيول”.