اللغة التي تحدث بها نائب وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، في الحوار المتلفز، الذي بثت ترجمته قناة “العربية”، في يناير الماضي، هذه اللغة والمفردات المستخدمة، والأفكار التي تضمنها اللقاء، وأيضاً طريقة التعاطي الهادئة مع الأسئلة على اختلاف موضوعاتها وحساسية وجرأة عدد منها، كل ذلك بما فيه بناء الأفكار وتسلسها العلمي والمنطقي، والرسائل الموجهة، لا يعكس مجرد مهارات فردية يتمتع بها الأمير الشاب، وإنما هي واحدة من مظاهر الخطاب الحديث لدى النخبة السياسية الجديدة في السعودية.
هنالك عملية تحول اقتصادي واجتماعي وثقافي، تحدث على أرض الواقع في المملكة، مدعومة بإرادة سياسية من القيادة: الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.. وهي العملية التي طالت تغيراتها مناحي عدة في حياة السعوديين، وأسلوب معيشتهم، وتنوع الخيارات أمامهم، والطريقة التي يسعون من خلالها لبناء مستقبلهم، وإعادة تعريف مفاهيم كـ: الدولة، الهوية، المواطنة، العلاقة مع الآخر.
خالد بن سلمان، يمكن أن تضاف إليه أسماء أخرى، مثل: فيصل بن فرحان، بدر بن فرحان، ريما بنت بندر، خالد بن بندر، وهيفاء آل مقرن.. وجميعهم وجوه شابة، متعلمة، تعمل وفق رؤية حديثة، بعيداً عن كلاسيكيات العمل السياسي الرتيب، بل، تسعى من خلال تنوع مجالاتها: الخارجية، الثقافة والتراث، المنظمات الدولية.. تسعى نحو خلق منظومة متعددة المصادر والأذرع، تتناغم فيما بينها، وتهدف إلى بناء صورة السعودية الجديدة، الدولة المدنية الحديثة، المنشغلة بصناعة المستقل، والمتواصلة مع مختلف ثقافات وشعوب العالم.
هذه النخبة الجديدة لم تأتِ من فراغ، بل هي جزء من رؤية 2030، أي أنها تعمل وفق منظور ذهني وسياسي معني بتطوير أدوات الحكم، ومؤسسات الدولة.
الإيمان بالعلم والصناعة والقيم المدنية، ومرجعية الدولة الوطنية الحديثة، وترسيخ التعددية الثقافية والدينية، وحق الآخر في الاختيار والاختلاف، واحترام حقوق الإنسان، وتفعيل دور الفنون والآثار في التواصل بين الشعوب.. هذه المفاهيم باتت لغة عالمية مشتركة، وعلامة دالة على تقدم أي مجتمع، ومستوى تحضره، ومن خلالها تبنى مقاييس الجودة في الأداء، التي تحدد تراتبية الدولة في الرفاهية والتنمية والحريات.
النقاط سالفة الذكر، تلمس حضورها بشكل متراكم في خطاب النخبة السياسية الجديدة، وفي سلوكياتها اليومية، الشخصية منها أو الرسمية. لأن مدى التزامها بها، يعطي إشارات بالغة الدلالة للمجتمعين المحلي والدولي، عن المعنى العميق للتغير الجاري في المملكة، الذي يطال مفاهيم أساسية في بناء الهوية الوطنية الكلية للسعوديين.
العالم الآن، بات يتحدث لغة أكثر أنسنة وعقلانية وشفافية في مختلف القضايا السياسية. وهذا الخطاب المختلف، يعكس آلية تفكير متباينة مع تلك العتيقة، وهي اليوم من بمقدورها أن تؤثر أكثر في الرأي العام، وتقنع الداخل والخارج، عبر منطق العلم والمعلومة والشفافية، وليس التلقين الممل والضعيف الذي لا يتعدى تأثيره شفتي أصحابه!
المصدر: صحيفة الرياض