ماذا لو طل على عالمنا مخلوقٌ من عالمٍ آخر، وسألناه: أيها المخلوق الغريب كيف ترانا؟
أظن أن هذا المخلوق أول ما يقرر هو أن حياتنا مضغوطة لتصل بنا حد الانفجار الذي يبتز حياتنا العائلية وعلاقات العمل، والأهم أنه يستهلك عصارةَ جهدنا ويمتص كل ما نجمعه من طاقةٍ موجبة. الأطفال لا يكفون عن الصراخ، الرئيس يطلب التقرير غداً، والمدرس ينتظر ورقةَ البحث، والمصرف لا يكف عن مطالبتنا بالسداد!
ثم ماذا سوف يصف لنا هذا المخلوق الغريب من دواء حتى نحيل بين تلك الضغوط وبين تدميرها لمنظومةِ صحتنا وعلاقاتنا بين الناس والخالق؟
لا أستبعد أن يقر ذلك المخلوق أن الحياةَ دونَ ضغوطٍ لن يكونَ لها معنى. الضغط هو ما يدفعنا للعمل من أجل التميز والحصول على الترقية، وهو ما يدفعنا أن نهرولَ ذلك الفرسخ من أجل أن نحافظ على صحتنا. لكن ليس ذلك الضغط السيئ الناتج من تصرفاتنا السلبية في الطريقِ والمنزل والعمل. فلو أن ذلك المخلوق كان يأخذ لنا صورةً فوقية لرأى ما لن يستطيع أن يحصيه من الفوضى في الطريقِ وفي الأسرة، وفي العمل. ثم لا أستبعد أن ذلك المخلوق لن يرغبَ في المكوثِ طويلاً في عالمنا خوفاً من أن نحيله إلى واحدٍ منا يموت بأمراضٍ وعلل يجلبها لنفسه!
تلك الضغوط وإن بدت سخيفةً، لكنها نقاطُ تجتمع وتنتج سيلاً من المتاعبِ التي نحملها بين جوانبنا وتظهر فجأةً في أعراضِ أمراضٍ تصاحبنا بقية العمر. أمراضٌ لن يستطيع الزائر الغريب أن يعالجها إلا إذا توقفنا نحن عن زرعِ أرض حياتنا وحياة غيرنا بما ينبت تلك الأمراض ويسقيها حتى تنمو وتكبر!
ومع كل أسف، هو تقريرٌ صحيح ما يراه الزائر الغريب. نحن مخلوقات لا نصل الستين والخمسين من العمر إلا ونمشي متكئينَ على عصي، ونشكو من كثيرٍ من الأمراض وكأننا أبناء قرنٍ من السنين!
السؤال الذي لن نستطيع إجابته إن سألنا ذلك المخلوق هو: لماذا نستجلب نحن تلك الطريقة في العيش، ثم تلك الأنواع من الأمراض بمحض إرادتنا؟ إن لم تكن كلها فكثير منها. لابد أن ذلك الزائر لم يحتج للدخول إلى منازلنا فقد رآنا وقاس نبض وجودةَ حياتنا من مناظر سلوكياتنا في الطريق!