في حقبة الزمن الجميل حافظ الأجداد والآباء على المبادئ والقيم المجتمعية بالرغم من قسوة العيش في ذلك الزمان، لكن الناس في المجتمع كانوا أكثر ألفة ومحبة وسلامًا من حالنا اليوم، وكان العم يا ريحة الوالد والخال والد والجار حامي الأعراض.
منذ بداية التسعينات بدأت تتشكل ملامح الثورة الرقمية التي طبعت سمات الحداثة والتقدم والرقي في المجتمع، وأصبحت تلك الوصفات الجميلة لماضي الأجداد والآباء في الزمن الجميل تأخذ طابع التراث، حيث يمضي الزمن وتتعاقب الأجيال لتجد الكثير من قيمنا المجتمعية تبدلت بعادات وقيم أتتنا من خارج الحدود باسم التقدم والمدنية، وأصبحنا اليوم نروي تفاصيل حقبة زمنية كانت بها الحياة أجمل.
واكبنا عصر التطور بسرعة فاقت قدرتنا على الفهم والتأني قليلًا، لفهم ما جاءت به الشركات المنتجة للأجهزة الذكية التي انتشرت في كل زاوية، قبل أن نلقي وجعنا على سحر شاشاتها الزرقاء التي أتعبت أعيننا بضوئها، واتخذنا من العالم الافتراضي سبيلًا للخروج من طاعة الأخلاق والعرف والدين، في ظل متاهة التقليد الأعمى لما جاء به الأجنبي من سموم للقضاء على عاداتنا وقيمنا ومبادئنا، وأصبحنا نخلق المبررات بأن لا بد لنا من مواكبة العصر والتخلي عن قيمنا وعاداتنا وأخلاقنا!!
كان يا ما كان في زمن ليس ببعيد كانت البيوت مفتوحة في الفرچان وكان الناس يتداخلون على بعضهم البعض، والأبواب لا تغلق إلا في آخر الليل، وذلك ليس خوفًا من الناس ولكنه خوفًا من دخول بعض الحيوانات المفترسة التي كانت موجودة في ذلك الزمان، وكان ابن الجيران حارسًا للعرض في غياب صاحب البيت، والنظرة إذا ما علقت على وجهه حين غفلة غض البصر حتى لا يقال بحقه كلمة سوء بين الجيران، وكانت المحافظة على الستر والعفة تتجلى بأبهى الطرق ولا نعرف ماذا بعد الستار، فكيف هو حال الستر والعفة في مجتمعنا اليوم؟
عاداتنا وتقاليدنا المجتمعية المحافظة على الأخلاق والعرف والدين التي ورثناها من الآباء والأجداد للأسف صعدنا عليها وأسقطناها بأقدامنا وصرنا ننظر إلى الأسفل تائهين، نبحث عمن ينتشلنا من هذا الغرور الذي قتل فينا الحياء والتكاتف والتلاحم من خلال جهاز صغير نحمله بأيدينا تائهين في فوضى مواقع التواصل الاجتماعي، التي فرضت سطوتها القذرة على بيوتنا وتعرض كل ما يقف أمام عدساتها لتصبح مادة دسمة يتناولها رواد المحتوى اللحظي.
وفي الختام، إنه في ظل فوضى التواصل الاجتماعي غاب الضمير عن منظومة القيم الأخلاقية في المجتمع، وأسقط ما زرعه الأجداد في هذه الأرض من قيم وأخلاق التي لا تنبت إلا الطيب رغم بزوغ بعض الأشواك، وأصبحت للأسف قيم الكذب والنفاق والرياء الاجتماعي قناعةً وسلوكًا يغطي على النزاهة والنخوة!! وبات التسلق والصعود على أكتاف الناس والتظاهر بصفات الشرف والأمانة متقبلًا ومرحبًا به بين الناس.