عَبق البراحة..

الماضي هو مرآة الحاضر وقديم الإنسان وماضيه هو تراثه وتاريخه، القطيف لها شخصية حضارية فريدة هي حصيلة التقاء ثقافي وإسهام حضاري يفيض بالتراث والعلم والإنجاز والإبداع هذه التركة الثمينة التي أورثتها القطيف لأجيالها تراها منعكسة بتميز في قلاعها ومبانيها وشوارعها وبالخصوص في ثقافتها… مما جعل لها سمات تراثية مميزة من تمازج هذه الحضارات المختلفة على أرضها لتمهد لأهلها جسوراً للعبور من الحاضر إلى المستقبل.

في يوم السبت الموافق 10 فبراير 1959م زارت الدكتورة عائشة عبدالرحمن بنت الشاطئ القطيف وحال عودتها من زيارتها كتبت واصفةً هذه الواحة:
“ولاحت لنا القطيف من بعيد واحة ناضرة على حدود الصحراء، وجنة خضراء على حافة القفر المجدب …….”
وتهادى إلينا نسيم المساء رخياً عليلاً معطراً بأريج الأزهار، وشذا الثمار، ورائحة العشب، وانبثقت أضواء الشفق الوردي فتوجت هامات النخيل الباسقات…”

وفي يوم السبت الموافق 1 فبراير  2020م اختتمت فعاليات ملتقى البراحة الثاني في القطيف وتحديدًا على أرض قلعتها التاريخية، هذا الملتقى الذي نفض الغبار عن حقبة زمنية مزخرفة بجمال التراث والإبداع فلاحت القطيف من خلاله قلعة مزدانة بتفاصيل الماضي الجميل الذي شممنا من خلاله رائحة مشموم الطين ورياحين الدراويز وبخور الساباط، وأرجع الملتقى الأجداد والآباء قبل أبنائهم لذاكرة الأيام الخوالي في صورة إنسانية حميمية تعبر عن مدى الحنين والانتماء لهذا الإرث التاريخي.

لقد رسم ملتقى البراحة لوحة جَص منقوشة بأنامل قطيفية أبرزت حجم القيم والتقاليد القطيفية المتوغلة في جذور التاريخ، لقد وجدنا في البراحة “ابتسامة حب” مضيئة نابعة من قلب جميع من حضرها من الأهالي والزوار والأسر المنتجة والعاملين والمشاركين والمنظمين والمسؤولين، كانوا جميعهم مأذنة حب وعطاء في دعم وترميم المشهد الإنساني والحضاري للنهوض بنجاح الملتقى وتعزيز دوره في الحفاظ على ما تبقى من ذاكرة تراثية.

الكثير من زوار البراحة كرروا زيارتهم للملتقى وطالبوا بتمديد أيام الملتقى، ولاحظ آخرون الفرق ومستوى التطور بين البراحة (1) والبراحة (2) وكلنا شوق لبراحة ثالثة أكثر تألقاً آخذين بعين الاعتبار ملاحظات الجميع، وتطلعات المسؤولين والقائمين على هذا النشاط المنتظر في بقعة من الأرض يتعطش ساكنوها للارتواء من معين تراثها..


error: المحتوي محمي