أيها الحالم أما زلت تحلم، ها وقد عدت إلى وطنك منذ عقد ونيف، حققت حلماً وراء حلم، وغادرتك أحلام وارتحلت للأبد، أفي البال حلم لم يزل يراودك. أبلغتنا بأن حلمك العام متحف وصالات عروض ونهضة فنية على جميع المستويات، هذا حلم يتشارك فيه كثير من الفنانين ومحبي الفنون في وطننا الغالي.
نريد حلمك المخبأ وقبل أن تبوح به اقصص علينا سير يومياتك مع رفيقة دربك، فنحن في شوق كيف تعيشان حالياً كفنانين بعد افتقادكما لفراديس الأمس؟ حدثنا بكل أريحية وبشيء من التفصيل: “طبعاً قلت لك تقريباً كل شيء عني وعن حياتي، وعن طبيعة عملي كفنان تشكيلي، لكن حسب رغبتك، بأنك تريد تفصيل أكثر، هو ما في تفصيل بقدر ما هو إعادة لما ذكر من قبل”.
حسناً في الإعادة إفادة، وثمة صفحات لم نقرأها بإمعان ولم نسلط الضوء عليها كثيراً، أطلعنا على ما يدور في مختبركما الفني، واتل علينا من قصائدكما الملونة المرسومة بنبض الحب والفن، أزدنا من الشعر بيتاً ومن داخل بيتكما أشعاراً، دعنا نسترق حواركما اليومي بين بعضكما وبين الريشة واللون، وأفصح لنا بكل شفافية كيف وجدت ذاتك في مرايا الحياة بعد مشاوير الدروب، ومحطات العمر: “أنا كفنان تشكيلي سعيد جداً ومحظوظ، محظوظ لماذا؟ لأني فعلاً درست في الاتحاد السوفيتي، محظوظ لأني تزوجت من رسامة من فنانة تشكيلية، أعيش معها بشكل متكامل، الفن يوحدنا والحب يجمعنا على الدوام، إضافة لطبيعة الفن التشكيلي هو إنتاج من الداخل إلى الخارج، وكل ما في داخلي أحاول أن أبرزه، الموهبة التي أمتلكها صقلتها بالدراسة والتعلم، وهي مرتبطة أيضاً بالمشاعر، وبالأحاسيس، مرتبطة برؤى فكرية.
الجميل بالنسبة لي – وهنا لا أتكلم عن الآخرين – إن حياتي مشروكة بالحب، ليس فقط حب للوطن، أو حب للفن، بل حب لشخص آخر، حب مستمر، متجدد نحو شخص مشيت معه مسيرة حياة، تقريباً من فترة الشباب لحد الآن، مرتبط بإنسانة هي أيضاً فنانة، والحب المتجدد فيه قرة أعيننا الأولاد والبنات والأحفاد، وأيضاً بهجة الحياة نفسها، هي عملية إنتاج مستمرة.
شريكة حياتي عشت معها منذ زمن الاتحاد السوفيتي في موسكو، ثم أوكرانيا الاشتراكية، ثم انتقلنا لدولة الإمارات المتحدة، ثم جمهورية أوكرانيا المستقلة مرة ثانية، وأخيراً عدت معها إلى وطني، ونحن ما زلنا مستمرين في نفس الجو الداخلي.
بالنسبة للأجواء الخارجية التي عشتها في موسكو وتحديداً أثناء الدراسة كانت ممتلئة بالفنانين الموهوبين وبالمدرسين العظماء، أساتذة كبار في الفن التشكيلي، لهم مكانتهم المرموقة والمنزلة العالية في عموم الاتحاد السوفيتي، والاختلاط معهم طوال 7 سنوات زادني علماً وفهماً ووعياً، بالإضافة لوجود أدباء ومسرحيين وكتاب وشعراء، كل ذلك انعكس على تكويني ونضجي الفني.
من بعد التخرج سكنت في أوكرانيا وارتبطت أيضاً مع مجموعة من الفنانين في مدينة جودانوف “ماريوبول”، فكان عندي مرسم بجوار مراسم لأفضل الفنانين، فارتبطت حياتي معهم بعلاقات شخصية متينة، وتوثقت أيضاً مع فنانين موهوبين آخرين لهم مكانتهم الفنية على مستوى الجمهوريات الأخرى، كلهم فنانون يحبون الفن حباً جماً، ينتجون بشكل مستمر كماً ونوعاً.
وحين انتقلت من أوكرانيا وعدت إلى وطني الحبيب المملكة العربية السعودية، الجو اختلف نهائياً، لكن الجميل جداً أنني ما زلت أعيش نفس الأجواء، هناك عشت في نفس البيت وخارج البيت مع فنانين لكن هنا في بلدي ما فقدت البيت، لأن البيت هو الأقرب لي من الخارج، صحيح أن الخارج مغرٍ ورائع بأن الواحد حواليه فنانين على مستوى عالٍ ويلتقي بهم كل يوم، يأخذ ويعطي معاهم حول الفن، خاصة في مرسمي وعند بقية مراسم الفنانين، الآن عندي فقط زوجتي وهي فنانة تشكيلية، عايش معاها 24 ساعة نمارس الفن معاً طوال اليوم تقريباً، فهي تحاول تعويضي أيضاً عن نقص الخارج.
والجميل جداً أن كل واحد منا له شخصيته وطريقته وله أسلوبه ورؤيته الخاصة نحو العالم الخارجي، هو تعايش قائم على التفاهم والتكامل، وهذا هو الشيء الرائع في حياتي مع زوجتي، بمعنى ليست علاقة شخصية عادية بين زوجين ضمن حياة روتينية، أكيد العلاقة الشخصية جميلة ومرتبطة بالأولاد وبالحياة، لكن يتخللها بعض الخلافات، أحياناً يعترينا بعض الفتور أو الجنوح الوقتي، وهذا شيء طبيعي يحدث عند كل الناس، لكن فيما يخص الفن وهذا هو الشيء الثابت تقريباً.
حين نتكلم حول الفن، أو نتحدث عن الرسم على طول ننسى طبيعتنا كبشر حتى وإن كنا مختلفين أو غير متفقين حول وجهة نظر معينة، أو حتى زعلانين على بعض، بمجرد تأتي اللوحة الفنية ونقف أمامها، سواء كنت أنا الذي راسمها أو هي التي ترسمها، لا إرادياً هي تسألني أو أنا أسالها، على طول ننسى كل شيء، نبدأ نتحدث فقط عن وجهة نظر كل واحد منا في الموضوع الفني المعين، سواء كان لوناً أو تكويناً وهذا عامل ينسينا الاختلافات الوقتية وكل الهموم العابرة، ينسينا كل المشاكل الآنية ويرجعنا إلى العلاقة الطبيعية، فالفن بكل جمالياته بالنسبة لنا كالموقد المستمر الذي لا ينطفئ أبداً في حياتنا”.