مفاجأة خلفها لذويه ومحبيه، تاركًا إياهم في حالة صدمة وذهول، بعد أن غادر بروحه الشفافة على جناح السرعة، ليخترق عوالم أخرى غير هذا العالم، حاملًا معه 34 عامًا مرت سريعًا، وسريعًا أيضًا ترجل عن صهوة أحلامه وأمنياته في عالم آخر.
خشبة المسرح التي وسعت حركاته، وتجاوبت مع ضوئه، عادت أدراجها يوم الخميس 5 جمادى الآخرة 1441 هـ، وبدلًا من أن تفتح الستارة على عرض جديد، أسدلت الحياة ستارتها عن حياة شاب كان مفعمًا بالحيوية والعطاء، ليعيد إلى الأذهان صراع البشر مع الأسفلت، وعمر جديد يحترق من سلسلة حوادث السير.
حياة مسرحية
“وما الدنيا إلا مسرح كبير”، كلمات لطالما لازمت عملاق المسرح العربي يوسف وهبي، ليعيدها القدر جلية مع حياة الشاب منتظر مهدي الداوود، وقصة حياته، وحتى وفاته.
عشق “الداوود” المسرح منذ صغره، فكانت بدايته المسرحية في مدرسة التهذيب، حيث شارك هناك مع مجموعة من الطلبة في تأسيس المسرح المدرسي وقدم أعمالًا مسرحية متنوعة، وبعد أن رسم طريقه اختار المسرح مسارًا لحياته العملية، فقدم مسرحية “عائلة السوبر ماركت” عام 1997م، ثم مسرحية “الصراط المستقيم” عام 1998م، ليشارك بعدها في تمثيل المملكة العربية السعودية في مهرجان المسرح المدرسي الخليجي الأول بالشارقة بمسرحية حاكم وعالم 2001، وفِي عام 2003م.
وشارك مع مجموعة من الشباب في تأسيس فرقة “أمواج” المسرحية ليقدم أعمالًا مسرحية اجتماعية، من ضمنها مسرحيات الأطفال “كونان”، و”شغبوب”، و”ديمجراطية سيهات الحجرية”، و”عرس الفلس”، و”شوشرة”.
مشاركات
منتظر كان حريصًا على المشاركة مع جميع الفرق المسرحية في المنطقة، وتطوير أدواته كممثل، حسب ما ذكر المقربون منه لـ«القطيف اليوم».
كما شارك في بعض المناسبات الاجتماعية، مقدمًا أيضًا مسرحيات، ومنها مشاركاته العديدة في مهرجان الأعراس، حيث شارك بمسرحية “لا تعليق”، من إخراجه ونصه وتمثيله، ومسرحية “أزمة مواطن” من إخراجه، ومسرحية “عريس الغفلة”، ومسرحية “كرنفال سوهات”.
وقدم أيضًا مسرحية “اسبيرو” بمناسبة عرس خاله محمد المدلوح، وقدم كذلك مسرحية “الصراخ الصحيح بعد المراجيح”.
ولم تقف مشاركاته على حدود خارطة الوطن، بل تجاوزتها إلى المسرح الجامعي في المملكة الهاشمية الأردنية، كما شارك في بعض الأعمال المسرحية الفنية في الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون كممثل ومدير إنتاج، ومسرحيات “أوسع من الحب”، و”عندما يتمرد”، و”مجرد استفهام”، و”ألف ليلى والذئب”، و”روميو ومجنون”.
موكب الإمام
ولـ”الداوود” في أيام عاشوراء عزاء من نوع آخر، فقد ساهم كممثل في عدد من الأعمال المسرحية الحسينية في موكب الإمام الحسين ومنها؛ “زفة الشهادة”، و”خانتك السيوف”، و”سر الوجود”، و”آمنت بالحسين”، و”رأى الحقيقة”، و”إلا علي”، و”وعد التابوت”، و”قماط الحب”، و”أعلو دخان”، و”جمار الجبروت”.
كما شهد الفيديو الحسيني ”ما ألومك” للرادود هاني محفوظ مشاركة الراحل “الداوود”.
الدراسة
في أواخر 2010، غادر منتظر المملكة للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية في ولاية واشنطن، ليحصل على بكالوريوس إدارة أعمال عام 2016.
قِران وزفاف
وفي أواخر شهر أبريل 2019، عقد قرانه على كريمة محمد يوسف داوود، وكان حينها مشغولًا بالتحضيرات الأخيرة لحفل الزواج، الذي كان من المزمع إقامته بعد شهرين، إلا أن فصل حياته الأخير في الدنيا كان مكتوبًا عليه أن لا ينتهي بفرح، وعوضًا عن أن يلبس بشته الأسود ويتباهى بسبحته في كفه، أطبق يديه ولبس الأبيض وغادر عالمه إلى غير رجعة.
منتظر الذي لم تفارقه الابتسامة حتى وهو مسجى في المغتسل، كان برفقة زوجته أثناء وقوع الحادث بعد اصطحابه لها من مكان عملها، وهي الآن في حالة حرجة.
كان وقع رحيل الشاب صادمًا ومؤلمًا على عائلته والمقربين منه والوسط الفني في المنطقة، فلم تخلُ عين محب له من دمعة، ولم تصمت صفحات أصحابه في مواقع التواصل عن كلمات الرثاء، وعوضًا عن أهازيج أحبته التي كانت مدخرة ليوم زفافه، زف منتظر إلى مثواه الأخير بأصوات نحيب وبكاء كل من عرفه.