اختلاف المعايير

تجارب الحياة والمرور بمراحل حياتية مختلفة، ونمو النضج كلها عوامل كافية لتغيير معايير حياتنا، إما بارتفاع سقف المعايير أو بتغير المعايير برمتها.

فعلى سبيل المثال، من البديهي أن يكون معايير إختيار الزوجة لدى الشاب والشابة مقتصرة على جوانب تخيلاتية شكلية وفي مرحلة أخرى متقدمة من حياتهما الزوجية يكتشفان أن أحد المعايير الأساسية هو التوافق والتكامل الفكري. قد يبحث شاب عن حضور محفل ديني بسبب قناعته بقدسية التجمع وما به من البركة (ولا إنقاص في ذلك) ولكن مع مرور الوقت يجد نفسه أقرب إلى الله وملبي لجوهر المحفل الديني ولكن بخلوه مع الله ومع هذه التجربة تتغير المعايير.

تغير المعايير يكمن في الاطلاع والسعي نحو الكسب المعرفي والإدراك من خلال تجارب الحياة والتخالط مع الآخرين بمختلف أفكارهم وثقافاتهم ورفع الحواجز الفكرية بما يسمح لنا بمراجعة معاييرنا وإدراك مدى قيمتها وهذا لا يعني على أي حال أن معاييرنا خاطئة ولكنها تحتاج لمراجعة وتغيير.

لو رجعنا للمثال السابق المتعلق بالشابين ومعاييرهما الأولية، لو استمر الشاب حتى ذروة النضج والتي تعد في عمر الأربعين وهمه في الحياة الزوجية الجانب الجمالي للمرأة فقط، ألن يعُد الرجل كمراهق متأخر (مراهق في الخمسين)، بينما لو كان النموذج معاكسًا، شاب عشريني معاييره الزوجية هي التوافق والتكامل الفكري، ألن يكون نموذجا محمودا؟

أخبرني أحدهم ذات مرة أنه لم يعد يرى نفسه في مجلس أصدقائه القدامى، فمجلسهم هو نفسه قبل عشرات السنين نقاشاتهم نقاشات مراهقين لا ترتقي لتطلعاته ومكانته. ربما لهذا نجد في قائمة أصدقائنا أصدقاء مقربين تعرفنا عليهم منذ عهد قريب ورغم ذلك حصلوا على مكانة مقربة منا أكثر من أصدقاء مقربين تربطنا بهم صداقة ممتدة منذ سنين.

مبدأ تغير المعايير ينطبق على أصعدة كثيرة مثل الصعيد المهني، وتوقف طموح الموظف عند معايير معينة طوال حياته المهنية لا تساعده في تحقيق إنجازات حققها شخص آخر معاييره المهنية متغيرة مع توسع دائرة طموحاته وسعيه نحو التطور والإنجاز. ينبغي لنا مراجعة معاييرنا على أصعدة عدة لتتسع مداركنا ونستدرك ما ينبغي علينا إدراكه وتغييره.


error: المحتوي محمي