من النادر أن تجد داراً أو بستاناً في أي بقعةٍ من العالم دون سياجٍ أو سور يحميه من تطفلِ الغرباء وعبورهم فوق أراضيه. كلما ارتفع السور اعتلت خصوصية المكان وقلت رغبةُ العابثين والسراق في كسر الأقفال والقفز فوق الأسوار.
ليست المنازل والممتلكات هي فقط ما يستحق الحمايةَ من التطفل والعبور فوق أراضيها دون رغبة ملاكها، بل نحن البشر يجب أن نرفع بين أنفسنا أسواراً تتناسب مع خصوصيتنا وتحميها من العبث والتطفل دون رغبتنا. يحتاج السور العالي جهداً كبيراً من مقتحم المكان، و الأسوار الهابطة فيها دعوة للغرباء ألا يحترموا تفرّدها وتميّز ما خلفها.
لا تعني إقامة الأسوار بين الناس دعوتهم للبس أردية الكبرياء والعظمة أو العزلة بأي شكل، فالكبرياءُ والعظمة أسوارٌ هابطة بحد ذاتها، لكن الأسوار تعني احترام النفس ووضعها في موقعها المناسب في الزمان والمكان. خصوصيةٌ وأسوارٌ يجب أن يراها الناس أنها مستحقة لمن يعطونها إياه وليس ممن يعتبر نفسه أنه أهلٌ ومستحق لها!
يقول المثل الإنجليزي: “الأسوار الجيدة تجعل الجيران صلحاء”، وهو تعبير رمزي عن بناء سور معنوي يمنع التطفل ومعرفة النقاط الضعيفة التي يخترقها الغرباء ويطأون أرضنا المحرمة عليهم. وأبلغ جمالاً من هذا نصيحة الإمامِ علي بن أبي طالب (ع):
“صُنِ النَفسَ وَاِحمِلها عَلى ما يزيِنُها
تَعِش سالِماً وَالقَولُ فيكَ جَميلُ”.
إذا لم نصن أنفسنا ونحصّنها، فسوف يستمتع المتطفلونَ بالنظر بدءًا بالكلمة والسؤال ثم النصيحة ثم الرغبة دون دعوة في الدخول والمشاركة في فصول حياتنا وكأنها مسرحية يستمتعون بمشاهدها، ولا يهمهم كيف تنتهي تلك المسرحية فهم ليسوا إلا متفرجين!
قالَ رجلٌ من الحكماء لبينه: اجتنبوا ثماني خصال، فمن تعاطى منكم شَيْئًا منهن فأهين فلا يؤمن إلا نَفْسه؛ المحدث لمن لا ينصت لَهُ، والمداخل نَفْسه فِي سر بَيْنَ اثنين لَمْ يدخلاه فِيهِ، والجالس المجلسَ لا يستحقه، وآتي الدعوةَ لَمْ يدَع إِلَيْهَا، والملتمس الفضلَ من أيدي اللئام، والمعترض للخير من يد عدوه، والمتكلف ما لا يعينه، والمُتحمق فِي الدالة.
كان بناء السور في الماضي أقلَّ صعوبة منه الآن، فهو في زماننا يجب أن يحجبَ الصوتَ والصورةَ من الداخلِ والخارج معاً!