من أعماق هوية الإنسان بالكويت .. الرميان يرتحل بفوتوغرافيي القطيف بين المساجد والحروب

وصلت أمسيات المعرض السنوي 22 لجماعة التصوير الضوئي، إلى محطتها الرابعة، والتي كانت على موعد مع “الإنسانية”، في تأكيد على أهمية الإنسان في كل مكون الصورة، ومحتواها.

فلم تكن دعوة الفوتوغرافي الكويتي “سامي الرميان” إلا العودة لما يعرف الآن بـ”أنسنة” العلوم والفنون، فقد حمل الفنان رسالته الإنسانية على عاتقه، برفقة كاميرته ليوثق العديد من الأزمات الإنسانية التي ترويها القصص، وأثر الحروب، بصورة مؤثرة، ومعبرة، لتغطية واقع تلك الشعوب ومعاناتها، وكذلك حياة الناس بلقطات عفوية.

رسالته تؤكد وجود علاقة إنسانية للفهم المعنوي للصورة، فالتصوير ليس “لقطة فوتوغرافية”، يكون الهدف منها كيف نصور، وإنما ماذا ولماذا نصور، فالبنية التحتية مطلوبة من كل إنسان يسعى للتميز، وتوثيق صوره، بأسمى المعاني الإنسانية، فالجانب الإنساني مهم لالتقاط الصور لإضافة معنى وسهولة في إيجاد قصة تخدم الصورة.

هكذا عبّر “الرميان” عن تجربته الوثائقية التي سردها لزوار معرض “مشاريع فوتوغرافية” خلال تقديمه أمسية “حين يكون المصور إنساناً”، ضمن فعاليات “مشاريع فوتوغرافية”، وذلك في يوم الاثنين الموافق 27 يناير 2020.

وَلْيطّوّفُوا
بدأ الرميان بالحديث عن مشروعه “وَلْيطّوّفُوا”؛ قائلاَ: “تأتي الكلمات في القرآن أحياناً مرتبطة بسبب، أو بأعمال خاصة، لكن معانيها حرة، وعامة، وتشمل معاني أوسع من مقصدها الأساسي، وهذا من جميل اللفظ القرآني ودلالاته “وليطوفوا”، ليبدأ منه مشروع فوتوغرافي للتعبير عن تلك الجموع الهادرة، والأطياف الضامرة، والأرواح السائرة، التي جاءت من أطراف الأرض، وقد قطعت آلاف الكيلومترات بشوق وحب وخوف ورجاء تطوف المناسك، والجبال، والطرقات، في حرم مكة ترجو رحمة الله ومغفرته”، مشيرًا إلى أن هذا المشروع يترجم علاقتنا كمسلمين في الحج، فصوره لا تركز على الوجوه، وأضاف فلترا يمثل أطياف الناس كأرواح تطوف في مكة المكرمة، مع سرعة التصوير.

روحانية أخرى
وتطرق إلى الحديث عن مشروعه الآخر “الحياة داخل المسجد”، مشيرًا إلى أن الإنتاج الإعلامي افتقد الحياة داخل المسجد، فالمسجد أكبر من أن يكون للصلاة فقط، فأغلبية المصورين يلتقطون صور المصلين أو لقطة لطفل يجلس على كرسي في بقعة ضوء، وهذا ليس وضعًا طبيعيًا، فقد يكون القارئ للقرآن الكريم جالسًا في زاوية المسجد مبتعدًا عن الآخرين، متفرغًا لتلك اللحظات الروحانية، إضافةَ إلى تصويره لحلقات القرآن، ومشاهد بث الهموم، وجلسات التأمل، واسترجاع الحياة وتجديدها، فهذه مشاهد طبيعية لحياة واقعية في المسجد، موضحًا أن كاميرته وعدسته غير كبيرة ولا تلفت الأنظار والالتقاط سريع.

قطرة ماء
ورافق الرميان الزوار من خلال مشروعه “رحلة الماء” إلى النيجر، فشعب هذه الدولة يتكبد العناء والمشقة في حصوله على الماء، لتكون له مع الماء رحلة يومية، ناقلًا معاناة هذه الشعوب، والتقاطه صورة توثق فرحة القرويين وهم يترقبون حفر الآبار الارتوازية، وانبعاث الماء الصافي من الأرض التي شح فيها الماء، موضحًا أن هذه الصور تدعو إلى المساهمة في حفر الآبار ومساندة تلك الشعوب في معاناتها ورسم الفرحة في قلوبهم.

ألواح الحفظ
وكانت له وقفة لالتقاط صور “الخلاوي” وسيلة تعلم الأهالي في جيبوتي، الصومال، موريتانيا، حيث يتخذون شجرة كبيرة تظللهم ومكانًا مناسبًا للتعلم، ولكل شخص لوح، ويقوم المعلم بتدريسهم بدءًا من الحروف والسور القرآنية، مؤكدًا أن هذه الشعوب متمسكة بالتعليم، وتعلم اللغة العربية وحفظ القرآن الكريم.

وذكر الرميان أن معظم المصورين في رحلاتهم إلى النيبال يركزون على تصوير العابد والأشخاص، ويفتقدون للتطوير، فمشكلة النيبال ندرة المياه، وتوفر الكهرباء لست ساعات في اليوم، معاناة يومية للذهاب إلى صنابير المياه التي وضعتها الحكومة، فأكثر النساء هن من يقمن بهذه المهمة بحمل الأواني وتعبئتها بالمياه، لافتًا إلى أن الشعب النيبالي ودود ولا يمانع التصوير.

يا وطني
واسترسل الرميان في الحديث عن تجربته، وصولًا إلى المحطة السورية وما يحدث على الأراضي السورية، وقال: “منذ عام 2012 وأنا أحاول نقل كلمات والمعاناة الصامتة عبر عدستي، لعلها تبوح بالقليل عن أسرار وقصص وحنين اللاجئين في سوريا، في أغلى ما فقدوا بمشروع (وأحن إليك يا وطني)”.

وأضاف: “مهما كانت الظروف قاسيةَ يبقى الوطن هو الملاذ، حيث تستريح الروح وتسكن النفس، فعندما نضع أنفسنا مكان هؤلاء الناس نشعر بما يشعرون من مآسٍ وآلام”، كما، عرض صورة لقصة امرأة مع المحمرة، فالحنين للوطن ليس كلام وإنما ممارسة يومية تُعلن اشتياقها.

وكانت له لفتة إنسانية تجسّد علاقة الأب مع أبنائه من خلال صورة لمسة حنان تقول “أنا لا أستطيع أن أقدم شيئًا إلا هذه اللمسة الحانية”.

اليمن الآن
وأعلن الفنان عن مشروعه الإنساني المقبل، بوصوله إلى اليمن، وقال عنه: “اليمن الآن” مشروع إنساني، نعرض صورهم لتتحدث عنهم، وليرى الناس وجوههم، وليمثلوا واقعهم المؤلم تحت وطأة الحرب، وماذا خلّفت وراءها من تشرد ودموع، عارضًا صورًا وثقها لمخيم اللاجئين اليمينين في جيبوتي.

واستعرض الرميان صور مشروعه “سجن وحرية” وغيرها من المشاريع التي تحمل رسالة توعوية مطلوبة وإن كان بالنشر.


error: المحتوي محمي