الأرض مسجدك..!

الحمد لله الذي خلقنا وأحسن خلقنا، وظللنا بالخير والنعم، الحمد لله الذي فرض علينا ما يكفينا عن السؤال والحاجة، وكلفنا بما يعيننا على البلاء والشدة.

إنَّ من أكبر الأخطاء التي يعتقدها البعض في هذه الحياة، هو مفهوم العبادة ومضمونها، العبادة التي خلقنا لأجلها.. هو أن العبادة محدودة بوقتٍ وزمنٍ معين، وبأنها فرضٌ على سجادة مصلى، أو ترتيل قرآنٍ، أو دعاءٍ وصدقة تنتهي بنهاية ذلك..!

لا إنَّ معنى العبادة أدق وأوسع من ذلك، وأكبر من أن يحويه مكان أو يحدده زمن.

نعم هنالك فروض فرضت في أوقاتٍ محددة، وتوصياتٌ لأعمالٍ وأدعيةٌ مختارة في أوقاتٍ وأيامٍ معينة، لله سبحانه وتعالى الحكمة في فرضها واختيار أزمنتها، لكن بنهايتها لا يجب أن ينتهي الدور العبادي..!

أي بنهاية الصلاة لا يجب أن تنتهي العبادة وتنقطع بها عن خالقك، فالعبادة يجب أن تكون في مجمل حياتك وساعاتك لأنك خلقت لأجلها، فلابد أن تجسد معنى العبادة في جميع شؤون حياتك..!

فحين تمشي، جسّد العبادة في مشيتك، وامشِ متواضعاً تتصدقُ بابتسامتك على هذا وذاك، وتدعو بالسلام لقلوب من حولك، ولا تكن مختالاً فخورا، متكبراً تمشي وكأنك ملكت الدنيا بأكملها..!

وحين تتكلم جسّد العبادة في لسانك وكلماتك، فإذا كان الكذب، والغيبة، والنميمة، والسخرية، والاستهزاء، والفتنة تنافي العبادة.. فالصدق والبعد عن الغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء والفتنة هو دورٌ عبادي أنت تجسده على أرضك التي جعلها الله في الأصل مسجدك الذي تؤدي فيه دورك العبادي..!

إن هذه الأرض هي مسجدك الحقيقي الذي خُلقت لتؤدي ما خلقك الله سبحانه وتعالى لأجله فيها وهي العبادة، في خلوتك ووحدتك، في رزقك ومالك، في فعلك وتعاملك، في صحبتك وصداقتك، مع من تعرف ومع من لا تعرف، أنت يجب أن تكون على وضوءٍ دائماً لأن دورك الذي خلقت لأجله هو موجودٌ في كل شيء حولك..!

إنَّ تجسيد العبادة في أعمالك وأفعالك ما هو إلا وفاءٌ لأمانتك، واكتمالٌٍ لروحك، وتحصينها مما قد يؤذيها، أو يغرر بها.. كن على يقين بأن بعدك عن ما حرمه الله عليك، ما هو إلا تجسيد لعبادتك التي خلقت لأجلها..!

اجعل الأرض مسجدك والسماء قبلتك، واعبد الله بقلبٍ سليم، ونوايا صادقة، لتنال فيض رحمته ووفاء وعده..!

ولا تكن كمن لا يعرف الله إلا على سجادة مصلاه، ومن لا يذكر الله إلا  حينما تدور مسبحته..!


error: المحتوي محمي