حين شكرتُ الله!

كانت درجة الحرارةِ فجرَ اليوم ٨ درجاتٍ مئوية حين رأيتُ إنسانين أحدهما يجري على شاطئ البحر طالباً القوةَ والترفَ والصحة ورأيت إنساناً آخر يلملم أطرافَ بزته البالية ينظف ويكنس ما يرميه الإنسانُ الأول على الشواطئِ من فضلاتِ ترفه وعجزهِ عن الاعتناء بنفسه وضعفه عن شكر الله على نعمته.

نظرت في نفسي إذ أنا من الصنفِ الأول فسألت: ماذا ميزني عن الصنفِ الثاني، حيث كان من الممكن أن يجلس هو في الدفء ويكتب عني معبراً عن شفقته ويشكر اللهَ أن منَّ عليه بسنابلِ القمح وشقائق النعمان؟!

في الواقع لم أجد إجابةً مقنعةً غير أن قسمة الخالق في الدنيا اقتضت أن نولد أنا وهو في مكانينِ مختلفين، ولو أننا ولدنا في نفسِ المكان لكان من الأقرب أن تتشابه ظروفنا. لم يكن في مقدور أحدنا أن يختار مكان ولادته قبل أن يولد، وعندما كبر الآن لا يستطيع أن يغيرها في أغلب الأحوال.

هل هو امتحانٌ له أن يصبرَ على تلك الظروف المتعبة بعيداً عن الوطن والراحة مع أنه أفضل حالاً من ملياراتِ البشر الذين لم تخدمهم الفرص؟ أم هو امتحانٌ لي أن أشكر وأقدر تلكَ النعمة وأقول: الحمد لله حقاً دونَ استعلاء وادعاء استحقاقٍ مني لتلك النعمة؟ ما نحصل عليه في الدنيا ليس بالضرورة عنواناً ومقدمةً لما سوف نحصل عليه في الآخرة، فقد يكون هو المُعافى وأنا المبتلى، لكن اختيار الله وإن اعتبرته أنا الجاهل جبراً على حصول النعمة يستحق أن أقول بكلِّ تواضع: شكراً لله!

كتب مصطفى لطفي المنفلوطي مقاله “الغني والفقير” حينما مر بفقيرٍ يشكو ألمَ الجوع أثناء مسيره لزيارة أحد الأغنياء، مقارنة بين شريحتين متناقضتين من المجتمع آنذاك وكان الجوع والشبع أحد مظاهرها، ولكن الغنى والفقر في الواقع يظهر في كل حالةٍ من حالاتِ الإنسان، التي يجهلها الفقير والغني على حدٍّ سواء، حتى يصبح كل واحد منهما مكان الآخر، فحينئذ يعرف الغني نعمةَ الفقر ويعرف الفقيرُ نعمةَ الغنى!

كان الإمام علي بن أبي طالب (ع) من أشد الناسِ قسوةً على الفقر ومحارباً له دون هوادة، ومن أنجع وصفاته الدوائية لعلاج الفقر والفوارق الاجتماعية هي قوله: “إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ أَقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلَّا بِمَا مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ وَاللَّهُ تَعَالَى سَائِلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ”.


error: المحتوي محمي