أخلاق السعادة الأسرية

روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه، عندما دفن سعد بن معاذ قال:

“قد أصابته ضمة، فسئل عن ذلك فقال (صلى الله عليه وآله): نعم، إنه كان في خلقه مع أهله سوء” (1).
ورد عن الامام على (عليه ‏السلام) أنه قال: “مَنْ ساءَ خُلْقُهُ مَلَّهُ أهْلُهُ” (2).

لقد كان إنسانًا ملتزمًا بحضور صلاة الجماعة، وله حضوره الاجتماعي والثقافي، ولكنه يفتقر إلى الأخلاق مع أهله، فلا يعرف إلا الجدية في التعامل… يفرح أطفاله عندما يرونه مبتسمًا… ولكن هذه الابتسامة لا تلبث أن تختفي من ملامحه…
قال له طفله الصغير: قل لي قصة طريفة….
فأجابه: لا أعرف… أنا مشغول..
بعد لحظات استلم الأب رسالة (واتساب): بابا غيّر أخلاقك…
فكانت هذه الرسالة نقطة التحول وكسر الجمود الأخلاقي…

البعض منا يعيش هذه الحالة يتحلى بالأخلاق مع الآخرين، ولكنه مع أهله فهو شخص آخر (بلا أخلاق)!
دعنا أيها القارئ الكريم نعزز صفة أخلاق السعادة في الأجواء الأسرية من خلال بعض النقاط التالية:

إياك والنكد
النكد هو شعور ومزاج يؤثر بشكل كبير على السلوك وطريقة اتخاذ القرارات والمواقف والأفكار، وصاحب هذا المزاج له تأثيرٌ على من حوله، فشعوره منفر ومزعج وينشر جواً من الكآبة والقلق والتوتر والتشاؤم.
لذلك علينا اقتلاع هذه الصفة من ذواتنا لنكون شخصيات تنشر السرور والابتهاج والارتياح. ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: “ستة لا تكون في مؤمن: العسر، والنكد، والحسد، واللجاجة، والكذب، والبغي” (3).

أتقن فن التغافل
روي عن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال: “من لم يتغافل ولا يغض عن كثير من الأمور تنغصت عيشته” (4).
تعامل مع الأخطاء التي قد تصدر من أطفالك دون قصد منهم بفن التغافل فإن الخطأ من طبيعة بني آدم، فلا تدقق في كل كلمة وفي كل تصرف ومرر هفواتهم وأخطاءهم وكن مرنًا.
ومن يتقن هذا الفن فإنه سينعم بالراحة النفسية والصحة العاطفية واللباقة السلوكية والسعادة الاجتماعية، روي عن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال: “أشرف أخلاق الكريم تغافله عما يعلم” (5).

بهديتك يفرحون
روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: “الهدية تورث المودة، وتجدر الأخوة، وتذهب الضغينة، تهادوا تحابوا” (6).
الهدية تدخل الفرحة والبهجة إلى النفس، كما أن لها أثر السحر في نفس من يتبادلها، لذلك لابد من إشاعة هذه الفكرة بأن نفاجئ أفراد العائلة بهدية تسهم في رفع معنوياتهم وتكون سببًا في إسعادهم.
وهنا علينا أن نفكر في صناعة المناسبات السعيدة لتقديم الهدايا: كأعياد الميلاد، ويوم الزواج، والنجاح والتفوق في الدراسة، وعيد الفطر والأضحى وغيرها.

قولًا كريمًا
قال الإمام علي (عليه السلام): “من عذب لسانه كثر إخوانه” (7).
الكلمة الطيبة لها أثر طيب على النفس؛ حيث إنها تشعر من يسمعها بالراحة والطمأنينة وتأسر قلبه، وتوقظ مشاعره، وتحقق الود والوئام والترابط بين الناس.
لذا عليك بانتقاء الألفاظ الطيبة التي تدخل السرور على أفراد عائلتك، كتقديم الشكر والثناء لأفراد أسرتك على أي إنجاز يحققونه. وتبادل التحايا الصباحية أو المسائية. وفي المقابل تجنبوا السخرية والنقد السلبي مع أفراد العائلة.
ما أحوجنا إلى هذه القاعدة “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا” البقرة آية 83 فهي تنشر الحب بين أفراد الأسرة وتقوي العلاقة بينهم.

إشاعة خُلق الرفق
قال الإمام علي (عليه السلام): “الرفق بالأتباع من كرم الطباع” (8).
الرفق خلق كريم وصفة جميلة، تنم عن هدوء وسعة صدر من يتصف بها، وتنم عن ضبط نفسه وقوة تحمله، ونظرته لعاقبة تصرفاته، لذلك كل من ينشد الاستقرار الأسري عليه أن يشيع هذه الصفة بين أفراد أسرته، فلا عنف في الكلام، ولا عنف في نظراتنا لبعضنا البعض، ولا عجلة في اتخاذ قرارات عائلية، وكلما كان الهدوء والرفق مسيطرًا على تصرفاتنا كنا أسرة سعيدة.

الهوامش:
(1) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 1 – الصفحة 807
(2) تحف العقول ص 214
(3) تحف العقول ص 377
(4) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 3 – الصفحة 2288
(5) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 3 – الصفحة 2287
(6) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 4 – الصفحة 3450
(7) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 3 – الصفحة 2743
(8) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 2 – الصفحة 1102


error: المحتوي محمي