استطاعت الشابة منار مكي بروحها الصلبة أن تتغلب على معاناتها مع مرض السرطان، بعد أن بدأت قصة آلامها منه في عام 2013، عندما كانت تعاني من صداع شديد ومستمر، لم تجدِ معه الأدوية والمسكنات نفعًا، واستمرت آلامها لفترة طويلة، حتى شعرت بضمور في اللسان وعدم القدرة على البلع، وصعوبة في الكلام، مما جعلها تضطر لإجراء أشعة على الرأس، لتظهر النتائج وجود ماء متشبع في منطقة الرأس ومع تناول الأدوية بدأ يزول الألم.
لكن بعد فترة رجع بصورة أشد وأقوى، رغم أن اختصاصي المخ والأعصاب أخبرها أن نتيجة تحاليلها سليمة وسبب ما تعانيه توتر وضغط نفسي، ولم يكن هذا التشخيص صحيحًا، حتى تفاجأت بضمور الجفن وانحراف بؤبؤ العين، مما جعلها تضطر لإعادة الفحوصات والأشعة، وسافرت إلى الأردن وعند أخذ خزعتين، تم التشخيص بإصابتها بورم خبيث في الغدد الليمفاوية في الجيوب الأنفية الواقعة أسفل الغدة النخامية.
وكان قع الصدمة عليها مؤلمًا منذ الوهلة الأولى، إلا أنها بعد فترة تقبلت المرض وقالت: “إنه ابتلاء والله وحده سينجيني منه”.
وبدأت رحلة العلاج بالدعم النفسي الذي وجدته من والدتها وزوجها وأهلها وجميع معارفها، ووسعت معلوماتها بما يتعلق بالناحية الغذائية، والبحث عن الأطعمة التي ترفع من مناعة الجسم، فالناحية الغذائية لا تقل أهمية عن العلاج الدوائي والنفسي، ورحلة التشافي طويلة وقاسية، مع العلاج الكيماوي ومضاعفاته، من سقوط الشعر، والتعب، والتشنجات، لكنها مرت بسلام وبدأت حياة جديدة لتكمل دراستها وتصبح اختصاصية تمريض تساند كل إنسان يشعر بالألم.
أدوات المحارب
“منار مكي” قصة ملهمة لشابة من البحرين امتزجت فصولها بالثقة بالله، والأمل، والصبر، والإصرار، لتنتصر على السرطان، سردها الدكتور والباحث العلمي سعيد الجارودي أثناء اللقاء الشهري لملتقى «سفينة النجاة» الذي أقيم تحت عنوان “تشخيص وطرق علاج السرطان” يوم الثلاثاء 26 جمادى الأولى 1441، في منزل الدكتورة نجاة النزر، بحي الزهراء بالدمام، بحضور 24 سيدة.
وتحدث الجارودي في المحاضرة عن مفهوم السرطان، والعلاجات التقليدية والحديثة، وكيفية زرع الأمل في نفوس محاربي السرطان، وتقنية النانو وعلاج السرطان، وذكر قصصًا واقعية للمنتصرين على السرطان وقدم نصائح لتعزيز المناعة وتقوية الجسم.
وقال الجارودي أن كلمة “السرطان” مخيفة، وترتبط في الأذهان بالمعاناة، والقسوة، التي قد تؤثر بصورة مباشرة على الحياة العلمية، والاجتماعية، والزوجية، وتصل إلى كثير من النساء بالسكوت والمداراة بدافع الخوف، أو الخجل، وعدم البحث عن الحلول الطبية في الوقت المناسب، أو اللجوء إلى العلاجات الشعبية على يد غير متخصصين، الأمر الذي يضر ولا يفيد، مشيرًا إلى أن السرطان هو نمو الخلايا وانتشارها بشكل لا يمكن التحكم فيه وأن له أنواعًا كثيرة، نافيًا وجود مسمى ورم حميد، فالسرطان واحد.
الفحوصات
وأكد على أهمية معرفة الأعراض التي يجب أن تلهمنا للتوجه إلى الطبيب، بدلاً من التجاهل والظن أن الألم سيزول، مؤكدًا أنه مع ذلك فقد تتشابه أعراض السرطان، وأن ظهور عارض معين لا يعني حتمًا وجود ورم سرطاني، مبينًا أنه لذلك السبب فإن الفحوصات الدورية مهمة لدحض كل شك، والالتهابات المتكررة في عضو ما قد تؤدي إلى الإصابة بالسرطان.
وأكد الجارودي أن العلم والتقدم غير صعب، بل إننا نحتاج إلى التفكير بأنفسنا، والبحث، وأنه يجب على مرضى السرطان عند اكتشافهم الإصابة أن يبحثوا عن تكوين الخلية، وتفاصيلها، وكيفية التعامل معها، لمواجهة المرض كعدوٍ لنا، مع التحلي بالصبر والأمل لحياة جديدة.
اكتشاف
واصطحب الجارودي السيدات في رحلة تاريخية لاكتشاف السرطان على مر العصور، والعلاجات المستخدمة لمحاربته والقضاء عليه، مشيرًا إلى مراحل السرطان وعلاجه جراحيًا أو بالإشعاع أو الاستئصال.
واستعرض صورًا للخلايا السرطانية التي تشبه السرطان البحري، لافتًا إلى أن عدد المصابين في تزايد، و60% تكون نهايتهم الموت، وأن نمط الحياة وطريقة الغذاء لها دور في الازدياد.
طرق علاجية
وتطرق إلى الآثار السلبية للعلاجات المستهدفة، حيث إن العلاج الكيميائي يهاجم الخلايا السليمة التي تنمو بسرعة، مما يؤدي إلى تساقط الشعر، وتقرحات الفم وغيرها من الآثار، وكذلك الإشعاعي.
واستطرد قائلًا: “من ضمن العلاجات الجراحة الإشعاعية باستخدام تقنية “السايبر نايف”، حيث يمكن إجراء جراحة إشعاعية عالية الدقة لعلاج أورام الدماغ وأجزاء الجسم، إضافة إلى تقنية “جاما نايف” التي أعطت نتائج ناجحة وفعالة في علاج العديد من الحالات المرضية، وخصوصًا أمراض الدماغ، والتي لا يوجد لها أية آثار جانبية ولا تضر بأنسجة الدماغ والتخلص من أورام الدماغ بفترة علاجية قصيرة وبسيطة ودون ألم، أو اللجوء للجراحة، لتمتعه بمواصفات ذهبية لدقة برنامجه الحاسوبي وقياساته الجراحية الخارقة”.
المناعة
وذكر الجارودي أن العلاج المناعي فعال عند تقوية مناعة الجسم، وإعطاء دواء محفز للخلايا المناعية، لافتاً إلى أن “خلايا كار تي” نوع من العلاجات التي حققت نجاحات عالية، ولكن الجرعة الواحدة قد تصل تكلفتها إلى نصف مليون ريال!
وأشار إلى أن تقنية البروتون أفضل العلاجات التي لا تؤذي الخلايا السليمة، حيث تشير الإحصائيات إلى وجود 58 مركزًا متخصصًا للعلاج بالبروتونات على مستوى العالم.
النانو
وأوضح الجارودي تطبيقات النانو ناقل الدواء وعلاج السرطان، وآلية علاج السرطان بمركبات الذهب، منوهًا بأن مركبات الذهب لا تتفاعل إن لم نحولها إلى نانونية.
وبين كيفية عمل روبوتات النانو في علاج الأورام، بتحميل شريط النانو روبوت بمادة “الثرومبين” المسببة للتجلط، ليخترق خلايا الدم عند الورم، فيتم إطلاق الثرومبين بداخلها لتتجلط، فتمنع تغذية الورم والقضاء عليه، موضحًا أن هناك خبراء من جامعتي “هونج مونج “، ومانشستر، أشاروا إلى أن روبوتات النانو تعمل بمساعدة مجالات مغناطيسية، حيث يتم التحكم بها عن بعد، وتمر بدقة عالية عبر الوسائل البيولوجية المعدة لمهاجمة الخلايا السرطانية، لافتًا إلى أن الروبوتات الجديدة عبارة عن خلايا هجينية صغيرة جدًا، ومصنوعة من الطحالب التي تستعمل غالبًا في المكملات الغذائية وتتحلل بيولوجيًا فيما بعده.
الذكاء الاصطناعي
وأوضح أن الذكاء الاصطناعي أكثر دقة من الأطباء في رصد سرطان الثدي عبر تقنية الماموغرام، وتشخيص سرطان الأمعاء في أقل من ثانية وفق ما أشار إليه موقع “رد نيت”، مؤكدًا أن الذكاء الاصطناعي له مقدرة عالية في تشخيص الأمراض بصورة أكيدة وسريعة، بتجميع المعلومات والصور، وقال:” من أمثلته أيضًا اخترعت لصقات مصنوعة من مواد نانونية تستشعر من خلال وضعها على الثدي وبدقة أكثر وجود ورم أم لا”.