مياه اللازورد تتلاطم، وزبد أبيض يتطاير، أمواج تتثنى متعًا بصرية، إيقاعات تتراقص موسيقى كونية، أنغام نوارس وطيور بجع تجوب شواطئ “بحر أزوف”، تفوح منه رائحة أعشاب عطرية وحكايات أسطورية.
بحر يغسل حدود حضارات أقامت أعراسًا من فضة وذهب، إغريق وقوزاق وسلاجقة وتتار وروس وصقالبة نحتوا الزمن عشقا والتاريخ نقشا، حروف من نور ونار وأمجاد خالدة، وعلى ضفافه تسكن المدن النابضات من حراكه، ومن ببنهم حورية البحر مدينة “جودانوف” الأوكرانية الاشتراكية السوفيتية، مدينة الصناعات الثقيلة ومركز الآلات والمعادن، بلد الاصطياف والمنتجعات والغابات والحدائق، بلد الجمال والمتاحف.
من سحرها جذبت الفنان الموسى وزوجته نتاليا واتخذاها سكنا لهما ومكان فن ومعيشة، ومعها تبدأ صفحة أفراح مابعد التخرج، انزياح ثقل الواجبات، تحرر وانطلاق، والأنامل ترنو للإنجازات.
ذرع الزوجان المدينة بعيونهما الفنية، واستقرا في حيز آسر ينبض بالحيوية، اشتريا شقة مكونة من ثلاث غرف نوم وصالة فسيحة تفضي إلى مطبخ واسع، تقع في الدور الثالث ضمن عمارة مكونة من 12 طابقا، شقة مفتوحة على “بحر أزوف”، المتلاطم بزرقة درجاته المتماوجة، وهوائه الندي العليل؛ منظر يخلب الحواس، وينعش الخيال، ويحفز الذائقة تجليا وعطاء. ومن امتدادات البحر وعمقه وصفائه وجماله يبحر الزوجان العاشقان فنا وحبا، لقد وجدا في المكان غاية الحلم.
انضم الموسى بصفته فنانا محترفا للمؤسسة الرسمية لاتحاد “فنانين جودانوف” التابعة لإقليم دونتسك الذي يتبع العاصمة كييف، لجمهورية أوكرانيا المنضوية لاتحاد الفنانين لعموم الاتحاد السوفيتي.
مؤسسة تخدم أعضاء الاتحاد وتوفر لهم المال، مقابل إنتاج فني طوال العام، مجندين للرسم يلبون طلبات المسؤولين للمشاركة بأعمال فنية تعبر عن الأعياد الرسمية للدولة السوفيتية (عيد العمال، وعيد الاستقلال، وعيد الثورة، وعيد النصر )، ويرسمون صورا لأعضاء اللجنة المركزية، ولوحات دعائية للطبقة العاملة والفلاحين والعمال.
وخارج الوقت يرسم الموسى ما يحلو له حيث يلبي طلبات لعدة متاحف.
إن مؤسسة اتحاد الفنانين على شكل “كامبينات” مجهزة بمراسم للفنانين، ضمن مبنى خاص تتبع إحدى العمارات، تتخذ من الدور الأول مقرا لها، والمقسم لعدة غرف وعددها عشرة، يوزعها اتحاد الفنانين على أعضائه المنتسبين له، وهم فنانون يتميزون بالحرفية الفنية والمهنية التشكيلية يتنافسون في إنجاز لوحة تلو أخرى، ويتعاونون تقسيما في إنجاز الجداريات الضخمة.
كما يملك اتحاد الفنانين مراسم أخرى موزعة في ربوع المدينة والأقاليم، إنها مقرات ممنوحة من الدولة لاتحاد الفنانين وقد يبيع بعضها وهذا نادر جدًا، وفي الغالب يمنح المراسم لأعضائه مدى الحياة، وفي حالة وفاة أي فنان يقوم الاتحاد بمنحها لأعضاء جدد أو يؤجرها إلى فنانين غير منتسبين له حسب ما يراه مناسبا، والهدف من هذه المراسم دعم الفنانين ليعملوا في جو ملائم ومحفز للابتكار والإبداع.
إنه اشتغال فني مقنن ضمن منهج الواقعية الاشتراكية وحسب، لكنه تشجيع ليس محدوداً للفنون وأهل الفن.
ارتبط الموسى مع مجموعة من فناني الاتحاد التشكيليين البالغ عددهم 25 فنانا وفنانة، مرحبين به أجمل ترحيب، ومنضويا مع زوجته بعضوية فناني الاتحاد، حيث خصص لهما مرسما أكبر من مساحة المرسم الفردي، يعملان كل يوم في جو بهيج تحفهما مراسم الفنانين المحترفين الذين سبوقهم للمكان.
توطدت علاقات الموسى كثيرا مع ثلة من الفنانين الموهوبين المشهورين على مستوى الجمهورية، الذين لهم مكانتهم الكبيرة، فنانون من كلا الجنسين يحبون العمل حباً جماً. همهم الإنتاج والإبداع تحت راية الاتحاد ومبادئ وقيم الاشتراكية، وخدمة للحزب والحياة الاجتماعية.
أنغام موج بحر أزوف يرسل حكاياته من تحت الماء.