اسمحوا لي هنا أن أبعث بتحية احترام وتقدير لكل النساء اللاتي أدين لهن بالكثير، بل أصبحن يشكلن عائلتي الثانية باحتضانهن لي صوتًا وصيتًا.
أحببت هذه المقولة حد التباهي للكاتبة والمفكرة الفرنسية (سيمون دي بوڤوار): “المرأة لا تُولد امرأة وإنما تُصبح امرأة”. أدرك وبقناعة تامة أنه عندما يتطرق المرء للتحدث والتعريف بنفسه يحلق بالحيرة والدهشة ليجسد صورة واضحة الملامح عن نفسه، ولكن كل ما أعرفه أنني من الكثير الذين يعشقون الأرض والمجتمع والأهل، فلطالما يسعدنا صدق الحديث مع الجميع دون استثناء، قد نتخذه مبدأً وسلوكًا ولدي شخصيًا قناعاتي بأن المرء لديه فرصة ليحقق بصمته وسمعته هنا وهناك. نعم هناك الكثير من النساء لا تقمن بدورهن لأسباب خاصة جدًا، ولكن هناك الكثير أيضًا من النساء تدركن مهمتهن، ربما جهود فردية هنا وهناك ولعلها مثمرة.
أعتقد أنّ الحاجز الوحيد في وجه الإنسان هو نفسه، عندما نؤمن بالفكرة لا شيء في هذا العالم يمكنه كبح انطلاقنا! ولأن المرأة تحتل مساحة كبيرة من اهتماماتي الخاصة، أطرح شؤونها وأتوغل في أعماق نفسها سواء هنا من خلال قلمي باللغة العربية أو من خلال دوراتي الإنسانية باللغة الإنجليزية، ولعلي التقط آلام وآمال المرأة لأقوم بتشجيعها على التحرر الفكري لإحداث التغيير للأفضل في حياتها. أحيانًا يكونُ النصح والتحفيز اختيارًا وأحيانًا اضطرارًا، وفي كِلا الأمرين، يكون مَدفوعًا بحس لا يَحتمل التأجيل والتسويف، وبَعيدًا عن كينونة الاختيارِ والاضطرارِ، فإن النصح هو ركيزة حضاريّة لذلك فإنّ الوقوف عند دعم وتحفيز الغير يَبقى ميزة استثناء وبقاء.
لقد احتلت الأزمات والأحداث المنهكة جل تفكيرنا، ولا أعتقد أن شيئًا ما في حياتنا الآن يخلو من التوتر والقلق، أذكر أن لدي طالبة شدني إليها قلقها الغريب وتوترها الشديد وحيرتها الواضحة وهي تعبر عن مشاعرها الإنسانية الممزقة لذاتها، والميل إلى الإحساس بالعجز والاكتئاب، وأحببت أن أخبر القراء بالموقف حينما تيقنت أن القارئ يحتاج إلى واحة يستظل بها بطريقة ما، قالت لي يومًا: أخشى يا أستاذة أن أكون يومًا تحت القبر وقد غادرت الحياة ولا زلت أجهل من أنا وكأنني لا أزال تحت الإنشاء! هنا ولأنني من أنصار الفكر الواعي القادر على إيصال الهوية السوية للغير، حاولت أن أتوحّد فيها مع بعض التوازن والتحفظ رددت عليها فورًا بألا تنظر للأمور من زاوية واحدة ولا بعين واحدة، ونصحتها ألا تحصر نفسها ضمن إطار معين بل تستلهم من خلال تجاربها وتجارب الغير كما تراها، فالتجارب الذاتية لها أهمية كبيرة برأيي في إثراء شخصيتها وهويتها، فإنه شيء طبيعي وجيد برأيي، لأنه أفضل من أن يظل المرء أسيرًا لفكر ولأسلوب خاطئ أو ناقص مدى حياته، أيضًا أخبرتها ألا تفكر في احتمالات الفشل والسقوط بل في النجاح والفوز، وعليها أن تتذكر مقولة لأحد الحكماء الصينيين “تتضاعف الفرص كلما انتهزتها”، وسعدت بالثمار التي نالتها تلك الطالبة بأنها أصبحت متفائلة متوازنة وراضية عن نفسها تمامًا، ولأنها تميل نوعًا ما للقراءة أهمس في أذنها مهنئة إياها بما تم لها مما أرادت أن تكون وأتخيلها هذه اللحظة تبتسم لكونها بطلة مقالي.
وأخيرًا قد يعتقد البعض أنني أرهق عقلي كثيرًا وأنا أحاول أن أجفف دموع بعض طالباتي وهم يروون لي أوجاعهن لكنني هنا أحقق مهادنة ومصالحة مع ذاتي ومعهن، مما جعلنا معًا نتكامل ونتوازن، وكأننا نقبض الأمور بقبضة من حرير وحديد في ذات الوقت، لعلي أنا وربما أنت بل وهي امرأة نشبه كثيرًا من النساء.