عند المطر أقول لأمي سامحيني

جرت العادة أن يلجأ أي منا لاختيار عنوان مقاله الذي يناسب لما يريد أن يسطره من سطور، فعنوان الذي اخترته، يثير في نفسي الذكرى ويلح علي السؤال في لحظات الهدوء وترتسم في ذهني خواطر كثيرة وذكريات مرة، وأرى في خيالي عالمًا من الإحساس، نعم ذلك السؤال الذي يستنفر روحي وإن لم أفصح عنه فلعل سؤالي شيئًا فشيئًا أغرقه المطر.

قد هطل المطر فمرحباً بقدومه، فالمطر خير والمطر سعادة وشعور بكرم السماء، هكذا تعلمت منذ وعيت على هذا الكون، ومع المطر أستذكر أحبائي الذين ابتعدوا بعودة أو دون عودة، أستذكر المطر زمان منذ كنت صغيرة وكيف كنت أتلهف لقدومه، وكيف كنت استعد لمواجهته، وتعود بي الذاكرة بقوة إلى ما كانت تقوله لي أمي الراحلة فاطمة الحياة: بأن أحاول أن أقوم بإزالة آثار المطر من داخل البيت، نعم كانت تقول لي  أيضًا المطر خير، وأتساءل بعد أن كبرت وبدأ اللون الأبيض في شعري يتألق بين سواده هل ما زلت ملتزمة بوصية أمي؟ والمطر على أشده حلما وحقيقة ولنا نحن هنا في المطرِ حياةٌ.

في المطر وعندما أقوم بالذهاب للمدرسة القريبة من بيتنا بعد أن أنظف المنزل من المطر ويأخذ مني طاقتي، تحضرني تلك العبارة (المطر خير) وأمنع نفسي من التفكير كيف المطر خير؟ وهو يلزمني بشغل شاق؛ رفع المطر من داخل البيت مع صغر عمري في محاولة للالتزام بطلب أمي، وكالعادة أتنقل من ركن لآخر في البيت وحينها أيضًا لا بد أن أعتني بإخواني، فبالرغم من تفاوت احتياجاتهم، إلا أنني أشعر بسعادة ورضا ربما كان ذلك واجبا علي ومن حقهم علي أيضا وكأنهم يقولون لي دون كلام “شكرا” ومما ليس فيه شك فإن المشاعر المتبادلة فيها الكثير من القواسم المشتركة، وكأن تلك المشاعر الخجولة هي الكنز الدائم وشريان الحياة، وكأنه حقًا المطر الذي يغذي قلبي للاقتناص منه إن كان به من بقية. لا أخفي ذكرياتي ومعاناتي وأمورًا كثيرة في الشأن المعيشي، كانت محور إحساسي اليوم مع المطر، فالزمن  هنا يتحدث عن نفسه.

وبعد كل ما عانيت وكل ما رأيت عند المطر أقول لأمي – رحمها الله – “آسفة جداً يا أمي، لقد حاولت ألا أتذكر هذه المعاناة، ومنعت نفسي عن كل ما هو موجع حتى لا أحس بالوجع، وجع فراقك يا أمي وفراق إخواني وجدي ونوري وآه لو أستطيع أن أنساهم وذكراهم ولكني، عدت اليوم بتذكري أيام زمان وقت المطر”.

وها أنا أقول لأمي “شكرا ونعم للمطر لا أنكر أنني كنت قد استبشرت خيراً بقدوم المطر”. فيا أيها المطُر أنا أحبك إلى درجة لا ينافسكَ عليها أحد غير أمي. كل ما كتبته الآن هو ما شعرته يلامسني كثير الكثير.


error: المحتوي محمي