الموسى ونتاليا سفر للحلم والمعنى (22)

حب دق بابه من غير ميعاد، أتاه على حين غره، لم يكن يتوقع حدوثه بالمرة، جاءه في وقت لا يحسد عليه، حب انتشله من خيبة أمل، من وجع وألم. طيف حلم وحلم أطياف تتراقص بوله، إطلالة قلب مفعم بعنفوان الحب انتفض القلب له نشوانًا، حب جديد وبنفس جديد، أسدل الستار على حب قديم، تصالح الفنان مع ذاته.

وعلى أثر ذلك قام بتأخير سفرته لبضعة أسابيع، ناويًا خطبة إنسانة دخلت قلبه من غير استئذان، عاقدًا العزم على أن يخطبها ثم يتزوجها بأسرع ما يمكن ليصحبها يدًا بيد لقضاء شهر العسل والعيش معها خارج الوطن، سفرة لبلاد مخفية اسمها عن جميع أفراد العائلة، حسبهم فرنسا.
– تمويه له مبرره لحقبة إشكالية –
وبالفعل بدأت المشاورات والتمهيدات بين الوالدين والأقارب والأعمام، والنوايا الحسنة تتسارع الخطى في حراك لخطبة بنت الجيران، وكل الأمور سائرة لمفاتحة أهل البنت والتقدم رسميًا في الليلة الموعودة، لكن صوتًا أتى فارضًا نفسه وبقوة، حيث وقف الأخ الأكبر أحمد بديباجة إقناع وحمية لسان، قائلًا: “عزيزي ستار كم نود أن تتزوج وتدخل البهجة على قلوبنا، وكلنا نسعى لخطبة بنت الجيران، وبكل أمانة هي إنسانة محترمة ومن عائلة كريمة، لكن هناك شيئًا غير مقبول بالنسبة لنا، يتمثل في طبيعة عملها، البنت مع شديد الأسف موظفة تعمل في المستشفى، وأنت عارف جو المستشفى مكان مختلط، يعني البنية تتحدث مع الرجال، وهذا شيء غير مقبول، لا يرضينا أن تتزوج بنتًا تقابل الغرباء، وإن كان داخل نطاق مستشفى عام، يعني بتتكلم مع فلان وعلان، وهذا أمر مستنكر بل عيب ومخزٍ وحرام، ولا نقبل أن تنتسب لعائلتنا وحدة تشتغل في مكان مختلط، إحنا لينا عاداتنا وتقاليدنا، لو لبنية معلمة في إحدى مدارس البنات إن كان تمام، نخطبها لك وممنونين وعلى العين والرأس، لكن تتزوج امرأة تشتغل بين الرجال حتى لو كان موجودًا وياها نساء هذا مو مقبول، وإحنا لينا أعرافنا وما نحيد عنها”.

تداخلت الأصوات بين مؤيد ومعارض، وستار يدافع عن اختياره
وهو في ذهول وبهتان، وأردف أحمد بحدية طاغية: “ويش تقول عنا الناس زوجة ولد الموسى تشتغل بين الرجاجيل، أقول لك ياولد أمي وبوي، قدام الجميع لا تفكر في هالإنسانة ذي أبدا، شيلها من رأسك، لا خطبة ولا زواج، وهذا الأمر لن يتم أبدا، وبنات خلق الله اشكثرهم، اصرف نظرك عنها وانساها، وإذا تبغى موظفة نشوف لك وحدة معلمة زينة، غير ذلك ما عندي مفاهمة!”.
حاول عبدالستار أن يقنع أخاه بالحسنى لكنه رضخ له باستكانة، “بالعا ريگة” بصمت مطبق وحالة توهان.

الوالدان انقسما بين رفض وقبول وبرأي متأرجح وغير ثابت، لكن الرأفة تسكنهما تعاطفا مع صاحب القلب الجريح والخاطر المكسور.
في اليوم التالي حزم ستار حقائب السفر على عجل، ليبتعد عن هذه الأجواء الدراماتيكية الخانقة.
ودع الأهل مسافرا من محطة إلى محطة حاملا همومه وحسراته، تلاحقه أثناء صحوه ونومه،
وعند الساحة الحمراء بموسكو رقص رقصة “زوربا اليوناني” لعله ينسى أحزانه.


error: المحتوي محمي