خطواتٌ فوق جُنيناتِ السنين

كتبتُ هذا النص البارحة، وكان العنوان “خطواتٌ فوق رمالِ السنين”. في صباحِ اليوم شطبتُ رمال وكتبتُ جنينات. رأيتُ الرملَ يمحو كلَّ ما نخطو ونحن من تحتِ أقدامنا ينبتُ الياسمين! ثم في الرمل لا ندرك الفارقَ بين بقايا حوافرِ الجياد العربية وخطوط بطونِ الخنفساء!

سُنّةُ الحياة أن تنتهيَ فصولها يوماً بعد يومٍ وعاماً بعد عام! وفي كلِّ سنة تكبر الفجوةُ بين جيلٍ وآخر. بينَ جيلٍ قديم يمشي بتؤدة وتمهل، يريد الاستمتاعَ بآخر رشفةٍ من كأس الحياة. وجيلٌ جديد لا يكاد يستمتع بلذةٍ إلا وقال: آتوني بغيرها فهذه شبعتُ منها ومللتهَا!

جيلٌ ولد ولم يركب السيارةَ للمدرسة يوماً واحداً وحتى الصف الأول الثانوي، حينها كان من المستحيل المشي للمدرسة. كان يمشي كل يومٍ بما تعنيه متعة المشي ذهاباً وإياباً. جيلٌ لم يقل يوماً: لا أريدها، لأنه ببساطة هذا كل ما توفر لديه وإن لم يأخذها كانت من نصيب غيره! لم يشتكِ ويتذمر، بل أخذ ما أعطاهُ اللهُ وفرح.

كانت الحياة تكاد تختفي بعيد الغروب فلا مقهى بكل النكهات ولا أكل يشترونه في خمسِ دقائق على بعد خمسة أمتار، ولا مجمعات أسواق تعج بالناسِ حتى الصباح، بل هو دكانُ البلدة الصغير الذي يبقى بُعيد الغروب قليلاً، ثم ينصرف الناس ليستعدوا ليومٍ جديد. ولم يكن في التلفاز سوى محطاتٍ قليلة تعيد البرامج وتكررها وأجمل ما فيها أنها كانت تغلق قبلَ منتصف الليل وتختفي.

أنا أغبط أبناءَ وبناتِ اليوم على كل هذه الرفاهية وجودة الحياة التي لم يحصل عليها أبناء جيلي حتى بعد السبعينات من القرن الماضي. ولكنني أدعوهم للاستمتاعِ بكامل ما تجود به الحياة لآخر رشفةٍ في كأسها. لا تتركوا الملل يصيبكم من كل لذة، وتقفزون لما بعدها في عجلة! اليوم هو الأول من كانون الثاني، يناير ٢٠٢٠م، تذوّقوا السنةَ بكل نكهاتها رويداً رويداً، فكل متعةٍ تكبر مع الرضا والعافية!

من الظلمِ والغبن أن تتساوى الأجيال وتتشابه فعلى كلِّ جيلٍ أن ينظرَ خلفه ويسأل في محطاتٍ مختلفة: ما هو الأثر الذي تركته أقدامي في أراضِي السنين؟ بكل تأكيد لن تكونوا أبناءَ اليوم جيل الإزميل والمطرقة، لكنكم سوف تكونونَ جيل الفكر والمعرفة تكملون بناء من سبقكم.

سعيدٌ أنا إذ بقيتُ وكتبتُ إليك في أولِ يومٍ من السنة.


error: المحتوي محمي