
أكثر من 10 مواقف مؤلمة صادفتني على مدى العقدين الماضيين وأنا أرصد وأدون وفيات المنطقة، بينها بعض الحوادث لا تزال الذاكرة تسترجعها بين الفينة والأخرى.
يحز في نفسي وأنا أسرد هذه القصص، لكونها وقعت في مجتمع لا تمثله، مجتمع حي متماسك، كان ولا يزال مضربًا للمثل في الترابط الأسري والاجتماعي، وهي حتمًا محل استغراب من الجميع.
هذه الحوادث كان من المفترض أن أكتبها في حينها، ولكن لظروف اجتماعية ولاعتبارات كثيرة يصعب شرحها كان لابد من التأخير، وقد يكون من بين مبررات ذلك أن هذه من الأسرار التي ائتمننا عليها أبناء المجتمع لتصدينا لهذا العمل، ولكن…
قصص واقعية رغم قلة عددها، و«شذوذها»، إلا أنها قد تخفي وراءها الكثير، فهي حتمًا وقعت في ظروف لا نعلمها وانتهت بنتائج وخيمة، إلا أن الخشية أن تكون وجهًا من عدة أوجه لأمر قد يكون البعض في غفلة عنه وهو قطيعة الرحم.
أخت تعيش في شقة سكنية مستقلة بمفردها، توفيت في شقتها وبقيت كما هي نتيجة التكييف والأجواء الباردة لفترة طويلة دون أن يعلم أحد بوفاتها، ولكن مع مرور الزمن شعر جيرانها بوجود شيء غير طبيعي ينبعث من الشقة.. انتهى الأمر بقدوم الجهات المختصة والتي فتحت الباب ووجدتها متوفاة، وأشارت التقديرات الأولية إلى أنها قد تكون متوفاة على الأقل منذ أسبوع أو أكثر!
أب كبير في السن يعيش في منزل بمفرده في أحد الأحياء الشعبية بمحافظة القطيف، لا أعرف الظروف التي جعلته يسكن وحيدًا، ولكن تلقيت اتصالًا من أحد جيرانه يبلغني بوفاته، سألته عن أحد أبنائه أو إخوانه فقال لي: «لا يوجد أحد منهم الآن، ونحن نحاول الوصول لهم»، فقلت: «إذًا لا أحد من ذويه يعلم بوفاته أم ماذا؟»، فكانت الإجابة: «لا.. لا، والفقيد توفي في منزله واكتشفنا أنه متوفى من عدة أيام نظرًا لما كان ينبعث من داخل المنزل، ونحن نحاول الوصول لأحد أفراد أسرته الآن»!
القصة التي تعمدت أن تكون الأخيرة هي لأغلى ما في الكون.. الأم.. امرأة كبيرة في السن تعيش في منزل بمفردها بعد أن توفي الأب وتزوج أبناؤها وبناتها وغادروا المنزل كلٌ في حال سبيله.. أتذكر يومها أنني تلقيت اتصالًا في الليل ما بين الساعة التاسعة والحادية عشرة، أحد المواطنين يخبرني بوجود حالة وفاة ويريد الإعلان عن ذلك، إلى هنا والأمور كانت طبيعية، في اليوم الثاني بادرت أنا بالاتصال لأسأله عن موعد التشييع حتى ننشر ذلك ليشارك المؤمنون في تشييعها ومواراتها الثرى، وتفاجأت أنه أخبرني بأن موعد التشييع قد يتأخر يومًا إلى يومين لأن هناك إجراءات رسمية تتم حاليًا لمعرفة سبب الوفاة، وإذ بي أتفاجأ بأن هذه الأم كانت متوفاة من عدة أيام دون أن يعلم عنها أحد.
أعتقد أن الأمر بات أكثر وضوحًا بعد سرد هذه القصص بشكل مختصر، وأنا هنا لا أبرئ نفسي ولست في مقام النصح لأحد، إنما ذكرت ذلك للعظة والعبرة، ولأشارك الجميع ما كانت تكتمه النفس، لذلك فسوف أختم من حيث بدأت.. 10 مواقف تقريبًا، تزيد قليلًا ولا تنقص، هذه هي الحالات التي رصدتها على مدى عقدين لآباء وأمهات وإخوة وأخوات غادروا ورحلوا عن الدنيا.. إلا أنهم تركوا سؤالًا يبحث عن إجابة.. أين نحنُ من صلة الرّحم؟