الموسى ونتاليا سفر للحلم والمعنى (3)

عاد الطائر إلى عشه عاد بأحلامه الكبرى..
محملًا بزاد فني وثقافي وتجارب سفر..
لقد وجد الفنان عبدالستار الموسى في أربعائية السليمان خيمة فنية يستجير بها من رمضاء الإحباط ونظرة التصحر، استظل بها من لهيب خيبة اللامتوقع، اتكأ على أرائك الفن منظرًا ومستمعًا لحورات تمتد لساعات، تستفتح بعد صلاة  العشاء وتتواصل إلى الثانية فجرا.

أربعائية أخذها يسارا وأخذته يمينا، والصوت الجمعي يمتد بفضاءات أفقية وعمودية وفي جميع الاتجاهات، آراء تتقاطع، وأخرى تتمازج، ووجوه الحاضرين تعلوها المسرات مع ارتشاف فناجين الشاي والقهوة، ومع البسمات ترتفع الدلال الساخنة وتدور أطباق الكرم، وطعم الأحاديث فيض وارتواء، لمة الأخوان بهجة فرح واصطفاء محبة، والطيور على أشكالها تقع على أغصان الود وتغرد في رحاب الجلسة، وتحلق في سماوات الأفكار، خواطر تتوارد وتعليقات تتزاحم، وتواريخ فنون تتعاقب، تطواف حول أسماء وأمكنة التشكيل غربا وشرقا، ذاكرة المتسامرين تعبر أزمنة الفن قديما وحديثا، وللفن السعودي نصيب وافر في كل جلسة.

إنه ملتقى أسبوعي يضم نخبة من الأسماء المعروفة في الوسط التشكيلي، بعضهم من رواد الفن في المملكة، (عبدالرحمن السليمان صاحب الجلسة، والمرحوم عبدالله الشيخ، وكمال المعلم، وعبدالله مرزوق، ومحمد الصقعبي، والمرحوم علي الدوسري) بالإضافة لأسماء أخرى بارزة في الفن والنقد، وهم (زمان جاسم، ومحمد الحمران، ومحمد جمعان، ويوسف شغري، ويوسف الحربي، وأحمد سماحة، ومحمد وجيه مدور، ومحمد جمعان، وإبراهيم بن عمر، وتركي الدوسري، وعبدالعظيم شلي)، والعابرون كثر من فناني المملكة، الذين يعرجون على الجلسة كلما صادف وجودهم في المنطقة الشرقية، كل يأتي ويشارك بما تجود به قريحته الفكرية وذائقته الفنية، أسماء حاضرة في المشهد التشكيلي تضمهم الأربعائية بروح الألفة والمودة، يلتفون حول مائدة الفن ليلة من كل أسبوع، فضاء ثقافي حر، متنوع ومتنور، وبحضور الموسى أضفى على لقاء الجلسات جوا مغايرا وأغناها بحوارت ثرية وأطروحات إشكالية، معرجا على محطات رحلته الطويلة إلى بلاد الجمال والفن الاتحاد السوفيتي سابقا وروسيا الاتحادية حاليا، نعم أخذنا سفرا مرات ومرات حتى ظننا أننا كنا معه في تلك الأجواء الملهمة، وأدخلنا في أحاديث فنية ممتعة وأخرى مثيرة للجدل وعلى جميع الموجات وبحماس منقطع النظير يأتينا من كل واد فن ومن كل بحر أفنان، وبتشبيه من المرحوم عبدالله الشيخ (الأخ عبدالستار سينما)، دلالة على خوضه في مجالات عدة، تعليقات وآراء الموسى تدور رحاها بين شد وجذب، وأحاديثه محرضة على التأمل والتفكير، وبحضوره لا يمر المجلس بثواني صمت، يستريح الجميع وهو لا يتعب من الكلام، لكن الجدال معه محبب، يديه في حراك  بالتوازي مع انفعلات وجهه السمحة، حواره لا يكل ولا يمل ولا ينقضي عند نقطة معينة، يطرد النعاس من عيوننا ولم يزل حديثه مسترسلًا، لكن الوقت أزف، فالساعة تشير إلى الثانية فجرا، ينفض المجلس واللقاء يتجدد.

كاتب السطور مسك بيد الفنان عبدالستار مرحبا به في نادي الفنون بالقطيف بمركز الخدمة الاجتماعية، عام 2007م حيث أطلعه على مهرجان جماعة الفن التشكيلي المعنون بـ(شرقيات تشكيلية) والمكون من 4 معارض أقيمت في  وقت واحد، (المعرض السنوي، ومسابقة معرض الشباب، ومعرض الفنانة خاتون الجشي، ومعرض الفنان فاضل أبو شومي) نشاط استثنائي بمناسبة مرور 10 سنوات على تأسيس الجماعة.

وبعد أن تجول الفنان الموسى  بين المعارض الأربعة أشاد بما رآه والفرحة تغمره، وفي الحال اتصل بزوجته يبلغها بالأجواء الفنية التي يراها، وخاطبها: “إنني أتجول بين صالات فنون،  وأتنقل بين 4 معارض تشكيلية”، لم تكن تصدق ما يقول، واصطحبها في اليوم التالي للمكان، تجول الاثنان واللغة الروسية تعزف لحن الإعجاب، توطدت علاقة الاثنين (الموسى ونتاليا) بالمكان، وأصبحا حريصين على حضور نادي الفنون كلما أقيم معرض أو نشاط فني.

الفنانة (نتاليا) بعد متابعتها لأوجه النشاط الفني في القطيف، وكذلك اطلاعها على كتيبات متفرقة لمعارض تشكيلية سعودية من هنا وهناك، قالت لصحيفة الشرق في رحاب صالة نادي الفنون بالقطيف: “إن أعمال فناني وفنانات المملكة مهمة، وإن الدراسة في روسيا تتم بطريقة كلاسيكية، أما في المملكة فالفن ينبع من داخل الإنسان بعفوية”، مشيرة إلى أن الجامعات الروسية تصقل المهارات، وتخرج مواهب من لا مواهب له، أما في المملكة فالأعمال تخرج من مشاعر الإنسان، مضيفة: “السعوديون موهوبون دون دراسة”، ومعارض المملكة رغم قلتها، إلا أن الفنانين فيها يحاولون عرض أعمالهم بتميز”.

أما زوج نتاليا، الفنان عبدالستار الموسى فقد أصبح وجها مألوفا عند جماعة الفن التشكيلي  بالقطيف، دائم الحضور لفعالياتها، وأنشطتها، ومعارضها  مشاركا في الأمسيات الفنية بالنقد والتوجيه والتشجيع، تعلوه نبرة صدق لا تعرف المجاملة ولا المداهنة، مؤمن  بموهبة وحرفية الفنان الحقيقي صانع الفن والجمال المزود بالثقافة والوعي تجاه قضايا الحياة والإنسان.


error: المحتوي محمي