باتت مشكلة الحلويات والمأكولات الخفيفة المعدة للأطفال، مشكلة يعاني منها الآباء والأمهات، فهي ليست في مأمن من المضافات الغذائية المضرة بالصحة، وقد تكون طريقاً لمسببات الأمراض التي قد يتعرض لها الطفل، أمر لا يجب الإغفال عنه.
إننا الآن أمام قوى جبارة تسيطر على غذاء أطفالنا، تُشكل بأشكال مختلفة، زاهية الألوان، أصبح يغري أطفالنا أكثر من فائدته.
حلويات مصنعة، ووجبات خفيفة مقرمشة، ومشروبات ملونة، استطاع المصنعون أن يحاكوا ويداعبوا رغبات أطفالنا من خلال الطعم الحلو، واللون الجذاب، فانصرفوا عن الغذاء الصحي، إلى حيث الأغذية الخاوية.
المسألة أصبحت محيرة، وأصبحنا نعيش في دوامة الأغذية غير المتزنة التي اكتسحت أسواقنا، والتهمت جيوبنا، وابتلعت معها صحة أطفالنا!
هي من القضايا الشائكة والتي نقف أحياناً أمامها لا نملك حيلة ولا حلاً.
إن ما تدفعه لنا مصانع حلويات الأطفال اليوم ما هي إلا مأكولات، مزجت بمواد كيميائية لتعطيها طعماً، ولوناً، ونكهة، نرى فيها بلاء ومصدر أمراض لأطفالنا.
تلك الشركات المصنعة لا تضع نصب عينيها سوى الكسب المادي، إنها ثقافة السوق!!
فهذه الأغذية المعدة للأطفال تفتقر إلى القيمة الغذائية والصحية، والأطفال يتدافعون نحوها بغريزتهم دون عقلهم! ولمتعتهم دون فائدتها!
ولو أن هذه الشركات اهتمت بمصلحة وصحة وغذاء هذه الفئة العمرية الحساسة، لتغيرت أشياء كثيرة، ولكن – للأسف الشديد – تلك هي الثقافة التي سيطرت على أسواقنا.
كثيراً ما شعرت بالضيق وأنا أشاهد أطفالنا يتناولون قطعاً من الحلويات الملونة، والحلوى الهلامية، والمارشملو الجيلاتينية، والمأكولات الخفيفة (Snacks) “منتفخات الذرة بفكي – ورقائق البطاطس المقرمشة شيبس” يتناولونها في المنازل والمدارس والحدائق والأماكن العامة، حتى الأطفال تحت عمر ثلاث سنوات، يتناولونها بشهية جذابة مع المشروبات الغازية والعصائر المحفوظة، والمشروبات الملونة، وإذا التزمت المدرسة بعدم توفير مثل تلك المأكولات، فالبقالة التي بجوار المدرسة تبيعها، أي طفل عادي يستطيع شراءها من مصروفه الشخصي، لقد تعوّد أطفالنا عليها، يتناولونها طول النهار، ولا نستطيع منعهم، ويقف الوالدان أمام أطفالهم عاجزين مستسلمين! كل ذلك على حساب الوجبة الرئيسة المغذية.
مقابل هذا نقول ليست كل أغذية الأطفال شراً، فهناك أغذية مصنعة في عبوات جذابة تحوي من التمر الفاخر، والحبوب المدعمة، والفواكه المجففة، والمحشوة باللوز أو مغطية بالسمسم أو ما شابه ذلك، وتعتبر ذات قيمة غذائية عالية، يقبل عليها أطفالنا برغبة مشجعة، وقد تشكل جزءاً من غذائهم الصحي.
هذا هو الحل والشيء الإيجابي الذي نستطيع تقديمه لفلذات أكبادنا.
التحدث عن الحلويات المعدة للأطفال أمر ليس بالسهل تقبله، ولكن الأمر يجب توضيحه لكون جل المأكولات التي تباع في أسواقنا مصنعة، امتلأت بالمضافات الكيميائية، لما فيها من سلبيات تشكل مشكلة صحية.
من التسمية؛ الطعم الحلو يعطي شعوراً لا يقاوم لدى الأطفال، وتكمن المشكلة الرئيسة في تناول كميات كبيرة تتجاوز مقدرة الطفل على التعامل معه، قد يسبب خللاً في البنكرياس مما سيؤدي إلى حدوث مرض السكري المبكر “النوع الثاني”.
الحلويات والمقرمشات التي يتناولها أطفالنا تحتوي على إضافات اصطناعية منها المحليات والنكهات وألوان اصطناعية ومستحلبات ومعززات نكهة، وتسبب أمراضاً متعددة كالسكري والسمنة والوهن والضعف الشديد وتسوس الأسنان.
تنتشر محلات حلويات الأطفال بكثرة في أسواقنا، وتعرض سائر الأصناف من السكاكر والموالح والحلويات الصلدة والهلامية والرقائق المقرمشة والعلكة المحلاة وغيرها، تتواجد بأشكال متنوعة ومدهشة وغريبة وأيضاً خطيرة، يتفنن الصانع بتشكيلها، ويهتم البائع بطريقة عرضها، فهناك حلوى جلي تقدم على شكل كور صغيرة صلبة أو لزجة أو غليظة، خطرة للأطفال تحت عمر أربع سنوات، فقد تتسبب في اختناق الطفل عندما يقوم بمضغ الحلوى وبلع القطع الصغيرة، أو على شكل أسنان وعظم وديدان، وهي أشكال غير مستساغة، وعلى هيئة أشكال صيدلانية (أقراص، حبوب، كبسولات، حقن أمزجة، حبيبات فوارة، خلاصات، مراهم، وغير ذلك)، وقد يرفق معها قطع بلاستيكية على شكل ألعاب وهدايا وصور ورسومات، وهنا لا ننسى قضية التاتو وأعني به الوشم، نرى أطفالنا يقومون بلصقها على سواعدهم وأيديهم وأعناقهم، تخيلوا أعناق أولادنا وبناتنا قد تشوهت بهذه الأشكال الملونة بمواد قد تسبب الأذى على المدى الطويل.
اطلعت على مشروع مواصفة “ضوابط واشتراطات الإعلام عن الأغذية الموجه للأشخاص دون سن الخامسة عشر”، من ضمن البنود التي وردت في هذا المشروع:
• لا يسمح بوضع رســـومات شخصيات كرتونية أو شـــخصيات معروفة للأطفال على البطاقة الغذائية.
• لا يسمح بوضع ألعاب و/ أو الهدايا مع الأغذية.
آمل أن يجد المشروع طريقه للاعتماد.
• تم تحديث مواصفة ” المواد المضافة المسموح باستخدامها في المواد الغذائية SFDA. FD 2500 تتضمن عدم السماح باستخدام الألوان الاصطناعية ( E102 , E110 ,E122 E129) في منتجات الحلويات من تاريخ 01/ /06 / 2020.
وبهذا تصبح معظم الألوان الاصطناعية غير مسموح إضافتها في أغذية الأطفال، بعد أن كانت مشروطة بوضع هذه العبارة التحذيرية ضمن البيانات الإيضاحية “قد يكون له تأثير سلبي على النشاط والتركيز لدى الأطفال”، والتي ترتب عليها لغط وسوء فهم للمستهلك.
وفي مثل هذا أرى أن الأمر أصبح في أشد الحاجة إلى إعادة النظر في اللائحة الفنية للمحليات الاصطناعية التي تضاف لحلوى الأطفال، والمشروطة بتدوين بعض التحذيرات.
يزداد الطلب على الحلويات والمقرمشات في الأعياد والمناسبات الدينية، والاحتفالات الاجتماعية، تشهد الأسواق نشاطاً وازدحاماً كبيراً، ويستنفر محلات بيع الحلويات، ويقبل الناس على شرائها لأطفالهم دون مراعاة ما ينتج عنها في حالة تناولها بكميات ضارة، فتلك الأغذية تصنف بأنها أغذية فقيرة وغير متزنة.
فشل الآباء والأمهات في إبعاد الحلوى والمياه الغازية عن أطفالهم، بحجة أنهم لن يلتزموا بالتوجيهات ولن يرضخوا لما يفرض عليهم، كل هذا يدل على أنه لم يكن لديهم إلمام بجوانب الغذاء وكيفية التعامل مع الواقع الذي فرض على أولادنا.
أولادنا ينساقون نحو الحلويات والمقرمشات، والأشربة الملونة، وترسبت في أمعائهم، رغم قناعتنا سلفاً بأهمية اختيار الأطعمة المفيدة لهذه المرحلة العمرية الحساسة، ولماذا هذه المرحلة بالذات؟
لأن هذه المرحلة هي الأهم لكي يستقيم فيها عود الطفل جسماً وعقلاً، المرحلة التي يكتسب فيها الطفل السلوك الغذائي السليم.
هناك عدد من الأمراض الوراثية، والاستعداد الوراثي لبعض الأمراض، منها داء السكري، ومنها أمراض انحلال الدم بالكريات المنجلية والتلاسيميا، ومنها أمراض سوء التغذية، تلكم الأمراض انتشرت بشكل واسع بين أفراد مجتمعنا.
الكثير من أطفالنا يعانون من فقر الدم المنجلي، وتناول مثل هذه المأكولات خصوصاً إذا غاب الأبوان، يؤدي إلى أزمات صحية خطيرة، نحن نرتكب جريمة في حقهم، لا بد من وضع حد لإعطائها لهم.
إننا في أشد الحاجة إلى دور إيجابي متفهم واعٍ، فلا يكفي أن نضع اللوم على الجهات التي سمحت بدخول تلك النوعيات من الأغذية إلى البلد، وبأنهم مصدر لبلائنا، فليس من حقنا أن نلوم أحداً أو جهة معينة ما دام الأمر أصبح واضحاً وضوح الشمس.
فالأسرة الواعية الإيجابية تتعامل مع معطيات عصرها بواقعية بعيدة عن المغالطات والتهويل والذهاب إلى مكان يجلب لأطفالنا البلاء.
فلا يكفي أن يندب الأبوان شغف صغارهم لشرب المشروبات الغازية وأكل الحلويات الخاوية، كما لا يكفي لوم المصانع والجهات الرقابية والمدارس والبقالات.
ترك الحبل على الغارب لأبنائنا للذهاب متى شاءوا والتهام ما شاءوا دون قيد أو شرط، بلا وعي أو تربية، سبباً للأمراض، ثم نحمل غيرنا الأخطاء ونشن الحملات غير الواقعية والحلول التي سوف نفشل في تطبيقها، قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.
إننا في حاجة إلى وعي وإدراك وإلمام بجوانب الغذاء الصحي، بعيداً عن التهويل لكي نربي أبناءنا التربية الغذائية الصحيحة.
فهل نترك أولادنا يأكلون منها ما يشتهون؟ وكيف يكون التدخل؟
الأمر في غاية الوضوح وهو أن نقدم لهم ما هو صحي ومفيد فقط، وبذلك يتعود الطفل على السلوك الغذائي الصحيح.
أولادنا وبناتنا في حاجة إلى الاهتمام، في حاجة إلى التوجيه، وهم بذلك في حاجة إلى المحافظة على صحتهم، وهم بذلك في حاجة إلى تربية في سلوكهم الغذائي السليم وغرسها فيهم لتحميهم من العديد من الأمراض.
ترى هل أنعي على الأطفال فعلهم وسلوكهم الخاطئ فنحرمهم لذة تلك المأكولات؟؟ أم أنعي على الآباء والأمهات الذين تركوا أطفالهم ينساقون في اختيار أطعمتهم دون توجيه ومراقبة؟؟
منصور الصلبوخ
اختصاصي تغذية وملوثات.