إن أعظم ما ابتلينا به اليوم هي الفتنة، الفتنة التي يراها الجاهل خيرًا وصلاحًا له، الفتنةالتي يراها تصب في مصلحته وحاجته، بل لربما يراها أكثر من ذلك.. يراها حبًا وأمانًا وراحة وحنانًا له..!
إن للفتنة مدينة تختبئ خلف الضباب لا يمكن رؤيةُ ملامحها بسهولة، ولا يمكن فهمها إلا ببصيرة، مدينة معالمها جميلة خلابة ساحرة عظيمة، مدينة ظاهرها أمانٌ ورحمها، وباطنها شرٌ وأذى.
مدينةٌ اتخذها الشيطان مسكنا، واتخذ من سكانها أعوانا له بعلمٍ بها كان أم بجهل.. مدينةٌ نفث سمه فيها حتى صارت للأحقاد موطنًا.
في يوم ما جاءني أحدهم متضايق الحال خاوي القوى، متذمراً يشتكي إلي ما جرى.. يُخبرني بغصاتِ حزنٍ تجرى خلفها آهاتُ القهر.. يقول لي: أتعلم يا صاحبي ما قد جرى؟
قد قيل فيّ كذا وكذا، قد ألمني ما سمعت، قد أتعبني ما عانق مسامعي، وإني والله عازمٌ على هجر من قال وقطع ما بيننا من الوصال..!
كم من واحدٍ فينا جرى له ما جرى على صاحبي هذا؟!
لربما الكثير وكيف لا والفتنة تدور في مجالسنا كما تدور الرحى في كف أحدكم بلا شعور، لربما لم نكتفِ بالغيبة وهمها على القلب والروح، بل أصبحنا بلا شعور أعواناً لإبليس الرجيم في انتشار سم الفتنة.
ألم تسمع ما قاله عنك فلان.؟! قد مس كرامتك وأنزل من قدرك عند فلان.. أووه لا أستطيع أن أصمت فأنا أحبكِ قد كنت البارحة مع فلانة وقالت عنكِ كذا وكذا.. قد سمعتهم يتكلمون عن شيءٍ ما وأعتقد أنهم يقصدونك بذلك.. آسف إن ضايقتك بكلامي لكنكِ تعلمين أنني أحبكِ ولا أرضى أن يقال عنك كذا وكذا..!
أي حب هذا الذي يؤلم قلبي ويفرق بيني وبين إخواني؟ أي حبٌ هذا الذي يولد الضغينة بداخلي، ويجعلني أزداد ضيقاً فوق ضيقي؟! أي حبٌ هذا الذي يجعلني أسعى لِهجر الوصال مع أحبابي؟!
بشعور أو بلا شعور البعض منا مازال لا ينتبه إلى أنه ينفث سم الفتنة على من حوله بمعنى الحب ، والحب منه براء، ومازال يقطع وصال الأحباب ويفرق شملهم دون أن يكترث بعواقب الأمور .
إن الفتنة هي الجندي المجهول لإبليس الرجيم الذي لا تدركه الأبصار ولا توقفه الظنون.. فهو لا يُرى إلا ببصيرة، يحوم حول هذا وذاك، جنديٌ قويٌ بما يملك، لا تدركه إلا الحكمة ، ولا تراه إلا البصيرة، يطعن هذا برمح أحقاده ويرمي سهامه على ذاك دون إحساسٍ ولا شعور بأنها سهام الفتنة!
الفتنةُ وما أدراك ما لفتنة..!
شمِّر عن ساعديك واقتل تلك الفتنة التي لا تريد بك خيرًا، التي لن تزيدك إلا حقداً وكرهاً وضغينةً على من حولك..!
إنتبه ألا تكون رسالةً ولا مرسولاً للفتنة فتأثم بها..!