4 – لا تصاحبيها…!
جولة ونزهة صباحية في يوم عطلة اصطحبت الأم فيها ابنتها “ملاك” ثم عرجت على السوق المركزي للخضراوات والفاكهة، وطلبت من السائق أن يقف – حيثما وجد مكانا – في ناحية قريبة من السوق المكتظة بالباعة والمشترين، طلبت منه الانتظار، وما هي إلا برهة حتى رأته… رجل هزيل لوحت الشمس قسماته، يدفع أمامه عربته المحملة بمشتريات رجلٍ تقدمه؛ ليضعها في صندوق السيارة، ويعطيه بعض النقود، يأخذها ويدسها في جيبه راضيا مبتسما رغم المشقة والتعب، وعاد لمزاولة عمله.
ومثله آخرون يتنقلون بالأحمال على ظهورهم أو أكتافهم ويقومون بذات المهمة.
وبعد أن لفتت انتباه الصغيرة إلى هذه الفئة العفيفة من الناس… أرأيتِ يا ملاكي؟
هذا هو الحمالي!
المشهد الذي مر كان ردا عمليا وإجابة عن سؤال طرحته الصغيرة على والدتها في يوم عادت فيه من المدرسة.
أماه، ماذا تعني “حمالي”؟
تركت الأم ما في يديها والتفتت إليها، من أين سمعتِ بهذه الكلمة؟
صاحباتي عندما رأينني برفقة “سميحة” في الفسحة، طلبن مني ألا أحدثها أو أمشي معها؛ فهي ابنة حمالي!
فغرت الأم فاها، واتسعت حدقة عينيها، كظمت غيظها ثم أردفت قائلة:
ألم تسأليهن ماذا تعني؟
لا.. لم أسألهن…
إذا اسمعي يا حبيبتي: هو إنسانٌ ورجلٌ شريفٌ محترفٌ في حمل الأشياء للآخرين، ومساعدتهم في إيصالها… فهي حرفته ووظيفته، ومصدر رزقه، يكسب أجره من وراء ذلك.
سألتها، أهي سيئة السلوك؟
من؟
أعني “سميحة”؟
لا يا أمي، إنها مؤدبة.
إذَنْ لا عليكِ منهن، وإياكِ أن تستجيبي لهن!
كوني لطيفة معها محبة لها، أشركيها في طعامك ومقلمتك إن احتاجت، فهي أختٌ لك في الصف، وزميلتك في المدرسة.
وكان للأب عند علمه حينها بالأمر… رأي آخر… إذ يرى أن ما حدث مجرد دعابة أطفال صغار، ليس إلا.
حقا إنهن صغيرات وفِي الصف الأول من المرحلة الابتدائية؛ ولكن من زرع في نفوسهن هذه النظرة الدونية للآخرين؟
ماذا ننتظر منهن عندما يكبرن وهن على هذا الفكر؟
من المعروف أن الطفل يولد مفطور على أن لا عنصرية وأن لا تمييز.. فمن المسؤول عن تبديل تلك الفطرة؟!
لا أدعي المثالية، ولكن ألا ترى أننا كأسرة نحرص على المناقشة الإيجابية حول الآخرين؟
فلا نسمح للأطفال بإطلاق النكات أو السخرية للحط من قدر الآخرين والتقليل من شأنهم بأي شكل من الأشكال. ألستَ معي في ذلك؟
ألا نبذل جهدنا في سبيل أن نكون قدوة لهم في الاستقامة والتمسك بالقيم؟
أنا معك، ولكن عليك ألا تعطي الأمر اهتماما وحجما أكبر مما ينبغي.
لابد أن أعطي للأمر أهمية…
فالصداقات لا تبنى إلا على التعاطف، والإحساس المتبادل، ومراعاة المشاعر.
فالمودة والترحيب والقبول والتعايش والتعاطف كلها أمور تعكس نزاهة النفس البشرية.
والصغار بحاجة إلى كل ذلك؛ لكي ينشأوا أسوياء متمتعين بكل سلوك قويم.