تَأمَّل لِلَحظة انشقاق بطن السماء بِنورٌ يجلي العمى، عن عظمة وهيبة وخشوع، واشْعر بملائكة الفجر حولك تُصافح يديك وتقول لك ما أردت، حينها تسمو الروح وينبعث الأمل.
تأمل فالتأمل تسبيح يخلق العجائب ويجعلك من ملائكة الرحمن في أرضه.
كانت دراستي في إحدى البلاد الغربية التي تمتاز بالطبيعة الجميلة، نسيمُ، هواءٌ عليل يحرك الأشجار والنباتات الملونة بألوان الخريف وكأنها تتمايل في مشيتها تتهامس وتتضاحك مع بعضها في غنج، وسماءٌ مزدحمة بغيوم كأنها حلوى قطنية مثقلة برذاذ مطر خفيف يتناثر على زجاج النافذة يبعث على الشعور بالخير والسعادة.
مما جعلني أعشق شيئاً اسمه شرفة النافذة في أي مكان أجلس فيه سواء كان قاعة دراسية أو مكتبة أو حتى مقهى، أحرص على أن أكون بجانبها، فشعوري حين النظر خلالها يأخذني إلى عالم آخر مليء بالأحلام والأمنيات.
حينها كنت في آخر سنة دراسية وكنت أعاني من القلق والتوتر الدائم من كتابة بحث التخرج، وكان آنذاك قمة التحدي بالنسبة لي، مما جعلني أعاني من أرق وتأخر في النوم، وفي إحدى الليالي لم أنم طيلة الليل، فصليت الصبح وعاودت أحاول النوم، وكانت الشرفة عن يميني، فجلست مُستلقية وأخذت عيناي تحدق في السماء لفترة طويلة، إلى أن لفت نظري انبعاث حُمرة تزيح سواد الليل المعتم، والجميل في الأمر أن في الجهات الأخرى لا يزال سواد الليل معتماً على الأرجاء.
ركزت نظري، فبدأ جُزءٌ من الألوان الساحرة يخالط سواد الليل وكأنها لوحة فنية، فاعتدلت في جلستي منبهرة وكأني لأول مرة أرى شروق الشمس، وربما هي أول مرة بالفعل أراه أو بمعنى أصح أشعر به أو أشعر بِرؤية تفاصيل شقوق كيانِ شروقه.
كان شعور الانبهار والهيبة والعظمة والراحة يخالطني، شعرت لحظتها بملائكة ترتفع إلى السماء تحمل معها ما أثقل صدورنا من آهات وآلام وأمنيات.
لا شعورياً بدأت شفتاي تتحرك مسبحة من جمال وهيبة المنظر، فبدر إلى ذهني أن آتي بكتاب الدعاء قبل اكتمال شروق الشمس، وبدأت أنظر في الكتاب تارة لأحفظ الدعاء وأنظر إلى الشروق تارة أخرى وانا أردده، كنت حريصة على أن لا يفوتني منظر لحظة شروق الشمس، مما جعلني أكتفي بالتسبيح والاستغفار لحظتها.
عند اكتمال الشروق أحسست براحة عميقة وتفاؤل كبير وكأنها أشرقت في قلبي وأضاءت دنياي المعتمة بالقلق والضيق، وكنت أتساءل أين كنت غافلة عن عبادة التـأمل وكأني اكتشفت كنزاً.
بالفعل أصبحت عندي عادة، فكنت أنتظر لحظة شروق الشمس أو غروبها بفارغ الصبر، مما قلل التوتر والقلق وأزاح بدعائي في تلك اللحظات العظيمة عقبات ظننت استحالة زوالها وتيسير أمورها.
الحمد لله أنهيت بحث التخرج بامتياز، هذه اللوحة العظيمة المختزنة في عقلي بكل تفاصيلها جعلتني أطمع في محاكاتها، فخضت عالم الرسم والألوان أبحث عنها في يداي والآن أبحث عنها في مخيلتي تنسجها الكلمات لتصف لحظاتها التي لا توصف، فكانت بداية تأمل وتحولت إلى أكثر من نعمة، فلك الحمد والشكر، كم أفتقد تلك اللحظات.