سيطرة العقل اللاواعي

الانفعالات، وردود الفعل القاسية، وسرعة الغضب، ظواهر سلوكية في مجتمعنا للأسف أثرت على علاقاتنا كثيرا بين الأهل والجيران والأصدقاء مما أثار فكري وفضولي حول هذه المشاعر السلبية عن أسبابها وتفاصيلها.

لاسيما محاضرة سماحة العلامة السيد منير الخباز في ليلة السابع من شهر محرم الحرام لهذا العام ١٤٤١ في الوقوف عند نظرية عالم التحليل النفسي “فرويد”، حيث قسَّم فرويد العقل إلى قسمين، “العقل الواعي” و “العقل اللاواعي”، وكل انفعالاتنا الحادة وردود أفعالنا القاسية وغضبنا على أمور لا تستحق كلها صادرة من العقل اللاواعي من دون تركيز وبطريقة لا إرادية، تصدر منا هذه السلوكيات حتى من دون أن نكترث أو نفكر ماذا ستجلب لنا من نتائج، فقط نريد أن نعبر عن ما أنتجه العقل اللاواعي من مشاعر وكفى.
مؤكدين ذلك في تعليقاتنا:
– أنا عصبي، دمي حار، ما أقدر أجامل.

ولو حاولنا أن نتمالك مشاعرنا ونمسك أعصابنا ونفكر بأن هذا الانفعال أو هذا الرد لا ينفع بل يضر، وينبغي علينا أن نعبر عن مشاعرنا بأسلوب آخر أو ننسحب انسحابًا تكتيكيًا لنعاود في وقت أنسب وأهدأ، (هذه المحاولة يُعبر عنها “بسيطرة العقل الواعي على اللاواعي” وهذا ما نحتاجه فعلاً)، لكن سرعان ما تفشل المحاولة، فتجد معظمنا داخله بركان هائج، وهذا البركان لا نستطيع مقاومته فينفجر في أي وقت بسبب أن لياقتنا ضعيفة في ممارسة الحِلم، بل هي دلالة على ضعف الشخص نفسه لا كما يظن البعض أنها قوة.

قال أمير الكلام الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام):
“أقوى الناس من قوي على غضبه بحِلمه”.
غرر الحكم

وفي قوله تعالى:
{الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)}…
سورة آل عمران

{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)}…
سورة فصلت

وآيات كثيرة تحث على الحِلم وعدم الانجرار الى الانفعال اللاواعي السلبي.

لذلك قررت منذ فترة ممارسة “سيطرة العقل الواعي على اللاواعي” بشكل متواصل ومهما فشلت سأعاود التكرار بأساليب عدة.

ذات مرة.. ذهبت للخياط وطلبت منه عددًا معينًا من الثياب لي، كان المبلغ المطلوب ٤٤٠ ريالًا،
فوددت أن ادفع لهم عن طريق خدمة الواي فاي، وجيء بالجهاز وقد سُجل فيه بالخطأ مبلغ ٤,٤٠٠ ريال بدلا من ٤٤٠ ريالًا، وأنا وضعت جهازي الجوال من دون التأكد من المبلغ وأضفت الرقم السري للبطاقة وتم الخصم من حسابي ٤,٤٠٠ ريال، وفي السيارة انتبهت لرسالة الإخطار البنكية بالخصم وتفاجأت، وقتها خطر في بالي ماذا يمكن أن يحدث من شخص لشخص في العقل اللاواعي؟
– من الممكن أن نعيش حالة من الإحساس بالمؤامرة أن كل شيء كان مدبرًا كمحاولة لاختلاس بعض الأموال ولو لفترة من الزمن بالمماطلة في إرجاعها أو حتى إرجاعها بأقساط مريحة.

– من الممكن أن تجتاحنا حالة من الغضب بالتراشق بالتساؤلات والإهانات…
هذا استهتار!
معقولة تغلط هالغلطة؟!
كيف؟! هذا إهمال وتسيب!
ياخي إذا ما تعرف تستخدم الجهاز لا تورط خلق الله!
وهلم جرا…

لكنني رفضت كل تلك الخيالات ثم نزلت من سيارتي ورجعت للمحل:
السلام عليكم…
أخوي الظاهر أنكم خصمتم علي مبلغًا بالغلط، وأريته الرسالة البنكية.
وبعدما تأكد من الإيصال الذي عنده ارتبك وتلعثم وشعرت أنه أصابه تلبك في المعدة، واعتذر اعتذارا شديدا…
قلت له: حصل خير وهدئ من روعك، الآن كل ما أريد هو استرجاع المبلغ الذي أخذتمونه،
بعد فحصه للدرج والمحفظة سألني هل من الممكن أن تأتي غدا لاسترداد المبلغ؟
قلت له أعتذر أنا أحتاج المبلغ اليوم، بإمكانك الذهاب للصراف وتسحب المبلغ بعد إذنك…
وفعلاً جمع لي المبلغ واسترددته في وقتها بكل احترام وود.

الفرق الذي جعلني أشعر بالإنجاز والسعادة هو أنني استرجعت المبلغ وأنا بكامل هدوئي وفي الأعم الأغلب في هذه الحالات نسترد المبلغ بارتفاع الضغط والسكر للأسف.

ولعل كتابتي لهذا الموضوع هي ردة فعل لكنها إن شاء الله ردة فعل صادرة من العقل الواعي.


error: المحتوي محمي