عند تناولك للغذاء والدواء كن على حذر!

إن الغاية المقصودة من الغذاء، هي على وجه التحديد، حفظ قدرة الجسم وحيويته، وتحقيق نموه، ووقايته من الأمراض، وهذه الغاية لا تتحقق إلا بتحقيق مبدأ الاعتدال، فعن طريق هذا المبدأ، وعن طريق تفهم واعٍ لطبيعة كل غذاء نتناوله وتركيبه وأثره وعلاقته مع سواه من الأغذية، عن هذا الطريق نستطيع أن نحقق الغاية من تناول الغذاء من غير محذور..

التغذية السليمة المتوازنة والتي من شأنها إمداد الجسم بالعناصر الغذائية اللازمة لقيامه بالوظائف الأساسية الحيوية من إنتاج الطاقة اللازمة لنمو الخلايا والأنسجة والمحافظة عليها وتجديدها، إضافة إلى تنظيم التفاعلات الكيميائية داخل الخلايا.

حول فوائد بعض الأغذية ومضار بعضها الآخر، هناك قائمة طويلة يتكرر معها التضارب نفسه فيما نقرأ أو نسمع حول تأثيرها على صحتنا، وتتكرر معها كذلك حيرتنا!

تشير الكثير من البحوث والدراسات والمراكز البحثية المتخصصة إلى العلاقة بين التغذية والصحة والدواء، هي حافلة بالمتشابكات سلباً وإيجاباً، فالتغذية الصحية الجيدة تساهم في النمو والتطور الجسماني وتجنب المشكلات الصحية التي يعانيها أغلب الناس، لكن عندما نتعرض إلى أزمة صحية نلجأ مباشرة إلى الطبيب المعالج ليصف لنا العلاج والدواء.

التضارب المثير للدهشة حول تأثير مفردات غذائنا على دوائنا، فكل طعام نتناوله يحتوي على مواد تمثل المجموعات الرئيسة؛ الكربوهيدرات، والبروتينات، والدهون، والفيتامينات، والمعادن، بالإضافة إلى النواتج الثانوية لعمليات التمثيل الغذائي، وهي مركبات كيميائية، هذه المركبات هي حلقة وصل بين الغذاء والدواء، لما لها من تأثيرات مهمة على وظائف كثيرة في الجسم البشري.

إذن.. حين نتعامل مع الغذاء والدواء، فإننا لا نتعامل مع مادة كيميائية واحدة ذات تأثير واحد محدد، وإنما مع مجموعة مركبات، تسلك سلوكاً خاصاً ومعقداً، ويكون تأثيرها متضارباً، قد تسبب اضطرابات شديدة في أداء الوظائف الحيوية، وتضعف جهاز المناعة، وتؤثر سلباً على الصحة العامة.

ولأن الجسم البشري هو منظومة على درجة عالية من التعقيد، فإن أجهزته المختلفة تستجيب بطرق مختلفة للمادة الواحدة، فصحة أجسامنا تتضرر بتأثير التنافر بين الأغذية والأدوية، نقرأ على بطاقة المنتج الغذائي المكونات والحقائق التغذوية، أو النشرة المرفقة مع الدواء طريقة وكيفية استعمال الدواء والأضرار والأعراض الجانبية التي تنجم عند إساءة استعماله لمن يشكون من تلك الاستجابات.

هناك ثلاثة أسباب رئيسة تقف وراء تحول الغذاء إلى مركبات ضارة أو غير مرغوبة، ويتحول الدواء إلى سُم يفتك بالصحة، وهي الطبيعة المعقدة لما نأكل – والاختلاف الذي تتفاعل على أساسه أجسامنا مع الغذاء والدواء – ثم الإطار الذي يدرس من خلاله هذا التفاعل.

فالدراسات الحديثة تؤكد وجود تفاعل مستمر بين الغذاء والدواء، حيث تقوم أطعمة معينة بتحفيز أو تثبيط دواء معين، أو زيادة احتمالات الإصابة بمجموعة من التأثيرات الجانبية، وإذا لم توجد لدينا الصورة المحددة من تركيبة الدواء والمادة الفعالة التي يستطيع الغذاء أن يمارس تأثيره من خلالها، فلن نحظى بالفائدة التي يقدمها لنا، ولن نحدد الضرر الذي قد يحمله.

كثير منا يهتم، بل أحياناً يحتار، عندما يفكر ما الذي يجب عليه أن يتناوله من غذاء في ظل التضارب حول تأثيره وعلاقته بالدواء، هذه العلاقة المعقدة غير المفهومة فهماً صحيحاً لدى كثير من الناس.

سنحاول التعرض لها هنا بإعطاء هذه النصائح من خلال الإجاالنان هذا السؤال: ماذا يجب أن نأكل، وما هي الأطعمة التي يجب أن نتجنبها عند تناولنا لهذا الدواء أو ذاك؟

يمكننا تعريف الدواء بأنه مادة يتم تناولها لتحقيق أهداف علاجية أو وقائية أو تشخيصية.

تم كشف النقاب عن الكثير من الغموض الذي يلف تلك المادة السحرية، وما يعتريها من تغيرات وتفاعلات حيوية داخل أجسامنا.

سوء استخدام الدواء سيؤدي حتماً إلى اختفاء فعاليته أو وظيفته العلاجية ومن ثم تحوله إلى مواد سامة.

تعدد أشكال وأنواع الأغذية المغذية والأدوية المعالجة أدى إلى هدر قسم كبير من قيمتها الغذائية أو العلاجية أو جعلها ضارة بالصحة، وقد ازدادت الأمور تعقيداً بعد ظهور كم هائل من الأدوية الكيميائية التي تتنافر مع بعضها من ناحية ومع بعض الأغذية من ناحية أخرى، مما تسبب في إضعاف فاعلية الدواء أو الغذاء أو حتى ظهور بعض الأمراض الخطيرة.

تمتلك بعض الأغذية خواصاً كيميائية أو فيزيائية من شأنها تقليل فاعلية بعض الأدوية، في حين تقوي أغذية أخرى فاعلية أدوية معينة، ومن الأمثلة على ذلك عندما يوصي الطبيب بتناول الدواء في حالة الجوع من أجل رفع كفاءة الدواء، وتجنب الأعراض الجانبية الضارة.

لقد أصبح التنافر والتوافق بين الغذاء والدواء إحدى المشكلات التي تواجه الطب في الوقت الراهن، إعطاء بعض الأدوية للمريض قبل التحري بشكل دقيق على تغذيته ينعكس تأثيرها السلبي على وظيفة الدواء.

يلزم من الطبيب التأني والحيطة والحذر والتأكد من الأطعمة التي يتناولها المريض قبل وصف الدواء، لتلافي أية مضاعفات قد يتسبب في أن يكون العلاج لا جدوى منه، أو في حدوث آثار جانبية محفوف بشتى المخاطر.

• لا يمكن اعتبار الأدوية مأمونة بالضرورة بمجرد أنها أُقرت من الجهات الرسمية أو التشريعية دون إجراء التجارب الكافية عليها، أو وجود دليل علمي تفصيلي على أنها تحقق الفوائد المزعومة، فكم من أدوية أُقرت ثم بعد سنوات وجد أنها مضرة بالصحة.

كما أن الأدوية الكيميائية قد تتفاعل مع أدوية أخرى أو نباتات عشبية طبية، وينتج عن ذلك التفاعل أخطار جسيمة قد تؤدي إلى الوفاة.

كما أن كثيراً من الأدوية لها تأثيرات ضارة لكونها لا تتوافق مع أغذية ومن ثم تقلل من فعاليتها.

نحن بحاجة فعلية إلى استشارات طبية واضحة حتى نحقق النتيجة المرجوة منها ونتجنب الخطورة التي تكون في بعضها.

قد يسأل سائل؛ ماذا يفعل المريض المضطر لتناول أكثر من دواء؟

هذا السؤال منطقي ومعقول لكنه لا يجد إجابة قاطعة، فإذا كان الدواء الواحد سلاحاً ذا حدين فكيف يكون الحال عند تناول أكثر من دواء مع أكثر من غذاء!!

من مراكز الأبحاث وجدنا بعض الحلول التي قد تجنب المريض الوقوع في أنفاق مثل هذه التداخلات.

• إذا تطلبت الحالة الصحية للمريض تناول أكثر من دواء فيجب ترك مدة فاصلة بين الدواءين تتراوح ما بين ساعة إلى ساعتين، وإذا تطلب الوضع تناول الدواءين في وقت واحد فيجب اختيار الأدوية التي لا تتعارض مع بعضها.

كما ينبغي عدم تناول المريض أنواعاً كثيرة من الأغذية في الوجبة الواحدة في حالة تناوله أكثر من دواء للحد من خاصية التنافر بين الغذاء والدواء.

ويتوجب على الطبيب أن يكون على وعي بمفردات الدواء والتركيب الكيميائي، والنظام الغذائي الواجب اتباعه للمريض، قبل الخوض في العلاج.

إن الممارسة اللا أخلاقية عندما يقوم الأطباء بالإفراط في وصف أدوية لمرضاهم، بدافع جني أرباح مالية من الشركات المصنعة ومخازن الأدوية، دون النظر إلى صحة المريض وحاجته الملحة للدواء، هذه الممارسة هي قمة الاستهتار.

فثمة إفراط في وصفة، وآثاره الجانبية على المريض، تكمن العاقبة الكبيرة للدواء في ضعف مناعة الجسد وتراجع المرض، ويصعب السيطرة عليه.

لمحتوى المعدة من الطعام أو الشراب أثر واضح في امتصاص بعض الأدوية، لقد أثبتت الدراسات العلمية أن تناول بعض أنواع الأغذية والأعشاب الطبية تتعارض مع بعض الأدوية مما يؤدي إلى مضاعفة تأثير الدواء أو تقليل فعاليته، كما قد تؤثر على العناصر الغذائية داخل الجسم التي تؤخذ عن طريق الغذاء، ومن ذلك أغذية تقلل بصورة ملحوظة امتصاص أقراص الحديد كالشاي، كما أن الحليب ومشتقاته يقللان من امتصاص المضاد الحيوي المعروف بالتتراسيكلين.

كلما كان الدواء ذا قابلية أكبر للذوبان في الدهون، كان انتشاره عبر غشاء الخلية الدهني أسهل وأسرع، ومن أمثلة ذلك الأسبيرين.

كما أن امتصاص الأدوية التي تذوب في الماء أيسر من تلك التي تذوب في الدهن، وكلما كانت جزئيات الدواء أصغر، كان امتصاصها أسرع.

تمتلك الكبد والكلى القدرة على إخراج المخلفات الكيميائية من نواتج الدواء، ويتمثل ذلك في تحويل الدواء إلى جزئيات صغيرة ذائبة في الدهون أو الماء يسهل على الجسم التخلص منها، عملية التخلص من نواتج الدواء الكيميائية قد تحقق الهدف المنشود، وقد تتراكم في أنسجة الجسم وتصبح سموماً، وتضعف كفاءة عمل الكبد والكلى.

تعد الأغذية مواد كيميائية تتأثر بعدة تفاعلات داخل الجسم وخارجه، وقد تحدث تفاعلات بين الغذاء والدواء تشمل التفاعلات الفيزيوكيميائية والفسيولوجية في التمثيل الغذائي، وكذلك المضافات الغذائية والملوثات التي توجد في الأطعمة، هذه التداخلات تشمل النافع والضار.

فمن التداخلات النافعة للغذاء مع الدواء على سبيل المثال:
• أدوية تزيد من امتصاص العناصر الغذائية، فيتامين C يزيد من امتصاص الحديد.
• أدوية تزيد شهية الأكل، مثل الأدوية المضادة للاكتئاب.
• تأثير الأدوية المضادة للسرطان فتساعد في الاستفادة من الغذاء.

أما مساوئ تفاعلات الدواء مع الغذاء:
• بعض الأطعمة تقلل امتصاص الأدوية، أو تسبب نقص المغذيات.
• تأثير الأدوية على التمثيل الغذائي لبعض الأطعمة.

• تفاعلات الأطعمة والدواء في الأمعاء:
• أدوية تؤدي إلى تحطم الغشاء المخاطي مثل نيومايسين وأدوية السرطانات.
• أدوية تؤدي إلى سوء الامتصاص مثل “كوليستيرامين” يقلل من امتصاص حمض الفوليك، ودواء “سيمادتين” علاج القرحة، يقلل من امتصاص فيتامين B12.
• أدوية تزيد الشهية للطعام مثل المضادات الحيوية.
• أدوية تغير شهية المريض للطعام مثل الامفيتامينات “مضادات الاكتئاب”.

هناك تأثيرات ضارة مباشرة لبعض الأدوية على الأمعاء مما يسبب خللاً في الامتصاص، لذلك يجب عدم تناولها، إذ إنها تحدث تغيرات التهابية في الأمعاء والبلعوم.

دواء نيومايسين وهو “مضاد حيوي” يستعمل للوقاية من فشل الكبد، هذا الدواء يقلل امتصاص الدهون والكربوهيدرات والبروتينات، وعند وقف استعمال الدواء تمتص هذه المغذيات بطريقة عادية.

كما يقلل دواء نيومايسين من امتصاص فيتامين A والحديد وفيتامين B12، ولهذا العقار تأثير آخر هو اتحاده مع أملاح الصفراء فبالتالي يقلل امتصاص الدهون.

كما أن العقار المشتق من حامض السلسلك الذي يستخدم لعلاج السل يسبب سوء امتصاص لعدد من المغذيات، لذا فإن مرضى السل الذين يعالجون بهذا العقار تظهر عليهم آثار نقص المغذيات إذا لم يجدوا الرعاية الطبية والتغذوية المناسبة.

وعقار كولستيرامين الذي يستعمل لتخفيف حكة الجلد التي تصاحب اليرقان، فإنه يقلل من امتصاص الفيتامينات مثل K , E , D , A.

يلجأ بعض المرضى إلى تناول بعض الأدوية التي توصف لعلاج السمنة، وتعمل هذه الأدوية على تقليل الشهية إذ لها آثار جانبية ضارة.

كيف نقي أنفسنا من ضرر التداخلات الغذائية؟

تتأثر العناصر الغذائية داخل الجسم ومن أمثلتها؛ تناول الشاي مباشرة بعد تناول الطعام يؤثر سلباً على امتصاص الحديد الضروري لمن يعانون فقر الدم أو الحوامل.

تناول الخضار مثل السبانخ مع إحدى مشتقات الحليب يؤدي إلى خسارة الجسم للكالسيوم والحديد معاً.

تناول المشروبات الغازية المحتوية على حمض الفوسفوريك والستريك يقللان من امتصاص الكالسيوم.

تناول خميرة البيرة يساعد على زيادة تكون حامض اليوريك في المفاصل ويزداد الألم، لذا يجب أن يبتعد عنها مريض النقرس.

تناول الأغذية الغنية أو المدعومة بحمض الفوليك يعمل على تكسير حمض الهوموسستين وإزالته من الدم، وبالتالي الوقاية من أمراض القلب.

تجنب تناول الزنجبيل للأطفال أقل من عامين، وأيضاً في حالة الحمل، ولمرضى السكري، أما تفاعله مع أدوية منع تجلط الدم مثل الأسبرين قد يؤدي إلى زيادة سيولة الدم، لكن الدراسة أظهرت أن الإكثار من تناول الأسماك يمكن أن يعمل عمل الأسبيرين ويغني عنه لهذا الغرض.

وخلاصة القول أن مما لا شك فيه أن تكون العلاقة بين الغذاء والدواء أصبحت شغل الأطباء وصناع الدواء والناس، فهي لا تخلو من أضرار وأخطار، فتناول الأغذية مع العقاقير الطبية قد يؤدي إلى مضاعفة تأثير الدواء أو يقلل من فعاليته، كما قد يؤثر على العناصر الغذائية داخل الجسم، ويمكن أن تتحول المادة الفعالة في الدواء أو الغذاء إلى الصورة غير الفعالة، وأيضاً قد تتولد مركبات ذات نشاطية عالية أو أيضيات سامة، كل ذلك على حساب المريض وحالته الصحية.

لم تعد معارفنا اليوم عن علاقة الغذاء والدواء مقتصرة على معارف مبسطة، فقد تشابكت وعاثت بها تقنيات التصنيع، وأفرزت سمومها، فالخطر على الصحة قادم.


منصور الصلبوخ
اختصاصي تغذية وملوثات


error: المحتوي محمي