3- صفعة مدوية
هُسْ، هُسْ.. ارتفع صوت المديرة زاجرا يا معلمات يا مناوبات عليكن بالطالبات أين دوركن وأين الهدوء والسيطرة على الوضع؟!
كان ذلك منذ أعوام مرت… في يوم الأربعاء آخر أيام الأسبوع الدراسي، ستلقى ندوة صحية عوضا عن حصص النشاط.
فرشت الأرض في ساحة المدرسة بالحُصر اللدنة؛ لجلوس طالبات المرحلة المتوسطة… والمعلمات وقوف حول المكان.
وكنت إحدى المعلمات المناوبات في ذاك اليوم، لم يهدأ الوضع الكل في هرج ومرج، الفرصة مؤاتية للأحاديث الجانبية والمزاح والضحك بين الطالبات، وصوت المديرة على الجانب الآخر يرعد ويزبد هادرا في الأرجاء.
لمحتها دون غيرها – إحدى طالبات الصف الثالث المتوسط – تضحك وتتكلم توجهت إليها ودون وعي باغتتها وسددت لها صفعات متلاحقة على كتفيها تلقتها في ذهول والكل ينظر… وجمت وتلون وجهها…!
عم الصمت وهدأ الجميع.
أقيمت الندوة بهدوء تام، وعادت الطالبات إلى الفصول.
انتهى الدوام عدت إلى المنزل وأنا على درجة من التوتر، وصداع كاد يفتك بي، لم أهنأ بيوميْ العطلة ولم يصلح بالي، تزاحمت الأفكار في رأسي ، وتعكر صفو حياتي، ليلتها لم يغمض لي جفن، أَرقَّ عيني السهاد، ورحت أفكر فيما حدث، صورة الطالبة في ذهني… يا إلهي! ماذا فعلت بتلك المسكينة؟
أحسست أن ثمة ظلم وقع عليها، فازداد وخز الضمير.
حاسبت نفسي حسابًا صارمًا، ورحت أستغفر الله كثيرا.
لطالما كانت أمنيتي الجوهرية في الحياة أن أحيا بسلام وبلا ضغائن.
فكان لا بد من التصرف حيال ذلك والاعتراف بالخطأ المرتكب.
وفي صباح السبت بعد انتهاء الحصة الأولى… وقفت قبالة صفها منادية عليها، التفتت إليَّ.. أشرت إليها أن تعالي، جاءت مرتابة.
كيف حالك؟
الحمد لله.
أنا آسفة.
لم تنبس ببنت شفة!
هل أخبرتِ والدتكِ بما جرى؟ لم تجب.
أدعت عليّ والدتك؟
أطرقت برأسها إلى الأرض.
إذا الأمر كما توقعته، إحساسي بوجع الأم كان عاليًا، حقا ما قيل: “لا تظلم أحدا، حتى لا يؤلمك دعاؤه”.
ألتمس منك العذر عَمَّا حدث، ولتصفح عني والدتك.
رفعت رأسها تنظر إلى بعينين ذاهلتين دامعتين قائلة: لم أكن الوحيدة التي كانت تتكلم وتضحك.
لقد عدت إلى البيت محرجة من الجميع، ومتألمة من ظهري وبطني… وكنت يومها متعبة أساسا…
أُسقط في يدي تملكتني الحيرة والندم ! وكأنني تلقيت منها صفعة قوية مدوية.
ماذا عساي أقول لها؟
لم أشأ أن أقول لها: نعم، أعرف أنك لستِ الوحيدة.
ولم أذكر لها ما كنت أعانيه – أنا أيضا – حينها من متاعب وضغوط، فلا مبررًا ولا مسوغًا لما حدث مهما كانت الأسباب.
فمن الأولويات التي يجب أن تهتم المدرسة بها.. هي خلق البيئة الملائمة الآمنة الودودة التي لا تسمح بممارسة أي نوع من أنواع العنف.
ربتُ على كتفها، اعتذرت لها للمرة الثانية، وأوضحت لها أهمية أن تتحلى الطالبة بالسلوك الإيجابي المسؤول واحترام النظام.
أصغت للنصح، وقبلت العذر عادت إلى صفها راضية إلى حد ما.
هي لم تكن الأولى التي طالتها يداي بالضرب، ولكنها كانت الأخيرة؛ إذ اتخذت بعدها عهدًا على نفسي ألا أنقاد إلى تصرفات لا أرضى عنها أبدًا، وألا يكون الضرب وسيلتي في التأديب، وليكن عوضًا عن ذلك الحزم المغلف بالود والرأفة.