“أخفّ من الريشة وأثقل من جبل” هكذا عبّر (موتسو هيتو) عندما سُئِل عن الواجب.
إنّ القيام بالواجب سنّة كونية، يفرضه الضمير، ويقرره العقل المُنصف.
والموقف الإنساني يصوغ الواجب كحلّ أمثل، ويحرّك المشاعر تجاه أحداث أخرجت أجمل مكنونات البشرية.
لم ينتهِ الموقف عند والدة المخترع توماس أديسون عندما قرأت رسالة طرد ابنها من المدرسة وإنما تحرّك ألفُ خيطٍ أمسكت بهم للقيام بواجبها تجاه ابنها. وعظيم ما صنعتْ رسالُتها أنها زرعت الثقة في نفس أديسون عندما طلب منها قراءة الرسالة فسرعان ما صاغتْ رسالةً جميلةً حرّضها خيالها على إنشائها لترسم ابتسامتها على وجه ابنها قائلة:
«سيدتي.. ابنك عبقري، هذه المدرسة متواضعة جداً بالنسبة له، وليس لدينا معلمون جيدون لتعليمه. من فضلك، علِّميه في المنزل» أما نقيضها فكان يحكي حقيقة لا تبتلع مرارتها وهي:
«ابنكِ مريض عقلياً ولا يمكننا السماح له بالذهاب إلى المدرسة بعد الآن».
رسالتان متناقضتان، أثبتت الشواهد بعدها ثقل واجبها تجاه هذا الابن المنكوب والذي أصبح سعيدا بعد رسالة والدته تلك فحمل لقب (مخترع) بفضل قيام الأم بواجبها الحقيقي كأم رائعة استنشقت عبق أريج إتمام الواجب.
ينصاع الجميع تحت إرادة الواجب لأنه مفروض لا يمكن لأحد أن ينفلت من أدائه، هو الصورة الواضحة التي لا يمكن إخفاء ملامحها عند أصحابه. والوالدان خير من يقوم بالواجب، ويُسخّران طاقتهما لخدمة الأبناء.
الأم محاربة عظيمة، تُحارب من أجل أبنائها، لا يهمها أن يشاهد الناس بطولتها ولكنها ترى العالم في ذلك الابن.. حتى إنجازها ونجاحها قسمة بينها وبين أبنائها؛ فقد قامت بالواجب مناصفةً بينها وبين أسرتها.
ولم يبالغ الشاعر عندما وصف القيام بالواجب قائلًا:
ونمت على ريش النعام فلم أجد
فراشًا وثيرًا مثل إتمام واجبي
تقول إحدى الأمهات التي كانت ترقد في المشفى بجانب سرير ابنتها المصابة بمرض فقر الدم المنجليّ:
كم أتمنى أن أجمع الألم الذي تشعر به وأضعه في أعماقي، وكم أتمنى أن يأخذوا دمائي النابضة بالحياة ثمنا لشفائها.
هكذا تتوالى صور إتمام الواجبِ، صورٌ جميلةٌ حتّى إن تخلّلها الألم.
والغريب أنها لا تنتظر مكافأة لأنها تصدر من قلب آمن أن الحب واجب ولم يتقاعس أَثَرَة لنفسه.