متبقيات.. ومتبقيات على الخضراوات والفواكه ومدى خطورة أكلها

الاعتماد على الكيماويات لزيادة المحاصيل الزراعية: الأعلاف الصناعية للماشية، والمبيدات للتخلص من الحشرات والآفات الزراعية، والمخصبات لزيادة سرعة نمو النبات ومقاييس الثمار، سببت آثاراً مدمرة على صحة الإنسان والبيئة.

يلجأ المزارعون وأصحاب المشاريع الزراعية إلى استخدام المبيدات بهدف حماية محاصيلهم الزراعية من الآفات المسببة للخسائر، وبالتالي زيادة الإنتاج.

لا يمكن الاستغناء عن المبيدات، وذلك راجع إلى ما تتميز به تلك المركبات من سرعة القضاء على الآفات الضارة بالمزروعات أو التقليل من أخطارها على جودة وكمية المحاصيل.

من هنا تتضح أهمية دور المبيدات في الحد من الخسائر التي تحدثها مختلف الآفات الزراعية، عند أخذها بجرعات معينة ولفترة معينة ولغرض معين.

إن المبيد سلاح ذو حدين، فعند استعماله بطريقة صحيحة بالكميات الموصى بها يقضي على الآفة ويتحقق العائد الاقتصادي المرجو من استعماله، ولكن عند إساءة استخدامه قد تنتج عن ذلك عواقب وخيمة، وغالباً ما تحدث إساءة استخدام للمبيدات عندما لا يقوم المزارعون باتباع الضوابط والإرشادات اللازمة وهي: استعمال الطرائق المناسبة في الرش، أو عدم معرفة نوعية الآفات التي يستخدم ضدها هذا المبيد، ونوعية المحاصيل التي يمكن استعماله عليها، وعدم التقيد بفترات التحريم المطلوبة لكل مبيد على كل منتج زراعي، والتي عادة ما تكون موجودة على هيئة نشرة ملصقة على عبوة كل مبيد.

• فترة التحريم المقصود بها هي المدة الزمنية اللازم مرورها بعد آخر استخدام للمبيد وحتى لحظة جني المحصول، وفي هذه الفترة يختفي المبيد أو يتحطم وتنتهي خطورته، ويصبح من المناسب تناول الأغذية  التي رشت بالمبيدات دون ضرر.

إن خطر المبيدات على الإنسان يتمثل في تناوله أغذية ملوثة ببقايا المبيدات مما قد يؤدي إلى إصابته بأمراض عديدة للكليتين أو الكبد أو غيرهما، ومن المؤكد أن هذه الكيماويات تسبب أوراماً سرطانية عند زيادة تركيزها أو عند التعرض لها لفترات طويلة.

إن الكشف عن بقايا المبيدات في الخضار والفواكه والحبوب والمنتجات الحيوانية أصبح أمراً مهماً لحماية المستهلك من تناول الملوثات وبقايا المبيدات.

لنا وقفة أمام خطر بقايا المبيدات على الخضار والفواكه.

أجرت الهيئة العامة للغذاء والدواء مسحاً ميدانياً عام 2018 م لرصد بقايا المبيدات في الخضراوات والفواكه، وشمل المسح 2033 عينة من الخضراوات و١٣٨٨ عينة من الفواكه (محلي ومستورد) سحبت من الأسواق المحلية، وأظهرت النتائج مطابقة 91.29% من العينات للمواصفات القياسية المعتمدة، بينما 8.71% من العينات كانت متجاوزة للحدود المسموح بها لبقايا المبيدات.

• من خلال تلك النتائج اتضح أن أكثر أصناف الخضار المحتوية على بقايا مبيدات متجاوزة للحدود المسموح بها كانت عينات الملوخية والنعناع والبقدونس والكوسا والثوم والقرع.

في حين أن نتائج تحليل الفواكه أظهرت عينات الجوافة والرمان والليمون والفراولة والبطيخ أكثر المنتجات المحتوية على بقايا مبيدات متجاوزة للحدود المسموح بها.

هناك جهود حثيثة تُبذل من أجل تقليل أخطار استعمال المبيدات في المحاصيل الزراعية لضمان سلامة ومأمونية الغذاء في المملكة، فقد نظّمت الهيئة العامة للغذاء والدواء بالتعاون مع جهات حكومية معنية في الرقابة، ورشة عمل بعنوان “الدور التكاملي للرقابة على بقايا المبيدات”، بمدينة الرياض في 20/ 11/ 2019 م، وناقشت الورشة جهود الجهات الحكومية في الرقابة على بقايا المبيدات بالأغذية، واختتمت الورشة بعدد من التوصيات والتي تهدف إلى المساهمة في تقليل نسبة بقايا المبيدات في الأغذية.

كما نظّمت الهيئة ورشة بعنوان “وضع بيانات توضح مصادر منتجات الخضار والفواكه المعروضة في منافد البيع”، وذلك بالتنسيق مع وزارة البيئة والمياه والزراعة وأمانة منطقة  الرياض، في 31 / 10/ 2019 م، وحث الحضور على وضع بيانات على المنتجات المعروضة بالأسواق المحلية لسهولة تتبع المخالف منها.

استمعنا من الخبراء والمختصين وحملنا تصوراتهم حول حقيقة أو خطورة متبقيات المبيدات الحشرية على الخضراوات والفواكه، وكيفية منع أو تقليل تأثيرها السلبي على الصحة العامة.

وتباينت الأفكار والمعلومات، فهناك من قال: عمليات الغسيل والتقشير والغلي والتخليل يقلل من تركيز البقايا النهائية للمبيد أو إزالتها بشكل تام، وزاد بعضهم أن بقايا المبيدات ربما دخلت إلى نسيج الثمرة فتصبح عملية الغسيل والتنظيف غير مجدية إلى الحد الذي يقضي على أثرها بالكامل، فيما قال فريق آخر إن المبيدات تفقد فاعليتها الشديدة بعد مرور أسبوع أو عشرة أيام، ولذا فإن الخضار والفواكه بعد هذه الفترة تصبح آمنة.

هذه المعلومات التي تعرفنا عليها من المختصين أظهرت لنا الواقع العلمي وحقيقة المتبقيات، ومدى خطورة تواجدها في الخضراوات والفواكه.

لتلافي أخطار المبيدات التي تحدق بصحتنا، هناك باقة من التوجيهات يمكن اللجوء  إليها تتضمن:
• غسل الفواكه والخضراوات الطازجة تحت الماء الجاري، وفرك التي تؤكل بقشرها “كالتفاح والجزر” باستخدام فرشاة لتنظيف الخضراوات، والتخلص من الأوراق العلوية للخضراوات الورقية وغسل كل ورقة منها منفصلة، والتخلص من الورقيات التي بها بقع متباينة أو التي تغير لونها، أو تلك المعطوبة، هي محاولة من أجل التخفيف من بقايا المبيدات الضارة بالصحة.

• إطالة التخزين للثمار تحت تأثير العوامل الطبيعية: كدرجة الحرارة والرطوبة قد يؤدي إلى تقليل مستويات متبقيات المبيد عليها، وقد لا يكون له تأثير يذكر، خصوصاً خلال فترة حفظ الثمار في الثلاجة تحت درجات حرارة منخفضة.
• يفضل استخدام بعض المطهرات إن أمكن لأن عملية الغسيل فقط قد لا تؤدي إلى إزالة متبقيات المبيدات تماماً.

• تقشير بعض الفواكه وإزالة الأوراق الخارجية لبعض الخضراوات الورقية قبل إعدادها ما أمكن شريطة عدم الإخلال بقيمتها الغذائية.

• الابتعاد عن الفاكهة والخضراوات التي يظهر على قشرتها لمعان أو تكون دهنية الملمس عند الشراء، أن هذه أو تلك قد تحتوي على بقايا مبيدات.

وخلاصة القول إن المبيدات تبقى على الخضراوات مدداً تتفاوت من يوم إلى 19 يوماً، وهذا أساس الخطورة، فالمبيد يبقى على قشور وأوراق الخضراوات، فعمليات الغسيل والتقشير تخفض من تركيز متبقيات المبيد إلى النصف تقريباً، بل أدى التقشير إلى إزالة معظم المتبقيات حسب دراسات صحية بينت من خلالها أن طريقة تقشير الثمار من أفضل الطرائق في تقليل البقايا النهائية للمبيد في الثمار إلى ما دون الحد المسموح به، في حين قللت إلى حد ما عملية الغسيل والتخليل من البقايا النهائية للمبيد.

إن كان لي من توجيه متواضع بهذا الشأن فإنني أتوجه إلى أخواتي ربات البيوت بضرورة الحرص على غسيل الخضار والفواكه جيداً قبل إعدادها وتقشيرها، كما أنبه إخواني المزارعين وأصحاب المشاريع الزراعية بالتقيد بالتعليمات، وخصوصاً فترة التحريم المدونة على بطاقة المبيد قبل البدء في تسويق المحصول، حيث إن مخالفة ذلك تعتبر جريمة نكراء لا يرتضيها ديننا الحنيف وتمقتها المبادئ والأخلاق الفاضلة، وهي تعمد إلحاق الضرر بالآخرين.

كما أتوجه إلى الجهات المعنية بمضاعفة الجهود الإرشادية والرقابية على الأسواق، والأمانة هي الجهة المسؤولة عن مراقبة الأسواق من خلال الجولات التفتيشية التي يقوم بها المراقبون الصحيون، وكذلك متابعة سحب عينات وإرسالها للمختبرات المعتمدة لتحليلها والتأكد من صلاحيتها وخلوها من متبقيات المبيدات قبل تسويقها، الأمر الذي يؤدي إلى إحكام الرقابة، والوقاية من أخطار المبيدات، لضمان سلامة وصحة المستهلك.

في ظل اندفاع الكثير من الزراع على استخدام مبيدات الحشرات والأعشاب الضارة، وأيضاً السلوك السيئ للعاملين بالحقول الزراعية، جعلت الغذاء أكثر خطورة لأنها سببت الكثير من المعاناة والأمراض الحادة والمستعصية.

• ثمة شيء يجب أن يقال في هذا الجانب، ثمرة السدر “النبق”، والتي تعرف محلياً بـ “الكنار” والمطعم “الكنار الصيني”، فشجرة السدر البلدي تأقلمت مع الظروف السائدة في المنطقة، وقاومت الآفات الزراعية، حيث لا حاجة حينئذ لرشها بالمبيد الحشري، بينما نرى الخطر كل الخطر للصنف الصيني أو المهجن الذي لا يمكن نجاح نمو أشجاره وسلامة ثماره دون اللجوء لتلك الوسيلة، والمشكلة هنا ليست في المبيد الحشري بعينه وإنما في عدم التقيد أو الالتزام بفترة التحريم والذي يحظر قبلها؛ إنزالها في الأسواق.

يلجأ أغلب المزارعين إلى قطف الثمرة وتداولها وتسرعهم في تسويقها مبكراً دون انتظار انتهاء فترة التحريم المدونة على عبوة المبيد لكون هذه الثمرة تحكمها درجات العرض والطلب والمنافسة، هي أصل المشكلة، ظاهرة عابثة من أصحاب الجشع والمستهترين بالصحة العامة.

الصورة المشرقة هي اتباع سياسات ترشيد من استخدام المبيدات، أو اختيار أصناف سريعة التحلل في البيئة، ومأمونة الجانب تماماً لكل صور الحياة، أو العودة إلى الطبيعة، حصل تطور مهم في هذا الاتجاه هو إدخال المكافحة البيولوجية ضد آفات المزروعات لتحسين نوعية الثمار، ولخلوها بالتالي من الترسبات الناتجة عن المبيدات الكيميائية.

التركيز على الزراعة الطبيعية التقليدية بعد حصيلة التلاعب بالمعطيات الطبيعية للزراعة، اليوم نرى متاجر وأجنحة تبيع المنتجات الزراعية العضوية، التي تنطبق عليها مواصفات الإنتاج الطبيعي الخالي من المبيدات الحشرية والعشبية، وتربية المواشي والدواجن التي تُعلف بالحبوب والأعشاب الطبيعية وفي الهواء الطلق، ولا تحقن بالهرمونات ولا بالمضادات الحيوية، وغني عن القول إن هذه المنتجات هي أغلى ثمناً بشكل ملحوظ من غيرها، نظراً إلى طول المدة التي استغرقها نضوجها، وصغر أحجام الثمار وقلة إنتاجية النبتة الواحدة منها.

وأخيراً تبقى مشكلة تلوث الخضار والفاكهة والأغذية بشكل عام ببقايا المبيدات الزراعية من أهم التحديات التي تواجه أصحاب المزارع وعمالهم، وللمستهلك، إذا لم يحسنوا استخدامها، بقايا المبيدات أصبحت اليوم سموماً، ويبقى السؤال كيف نتخلص من تلك البقايا؟ فهل هذا ممكن أم مستحيل؟!


منصور الصلبوخ
اختصاصي تغذية وملوثات


error: المحتوي محمي