إن المتأمل في قصة العبد الصالح والنبي موسى عليهما السلام يجد أننا في هذه الدنيا لا نخرج من الثلاث حالات المعالجة في القصة، فلو تخيلنا أنفسنا قليلا مكان أصحاب هذه الحالات مع جهلنا لمهمة العبد الصالح، فالمساكين أتوا في يوم يأملون فيه تشغيل سفينتهم والكسب منها لكنهم تفاجأوا بأنها مخروقة
فندبوا حظهم العاثر وحزنوا أيما حزن على هذه المصيبة التي حلت بهم. لكن في اليوم التالي عندما رأوا الملك يغصب سفن الآخرين فترك سفينتهم، وتغير موقفهم من الحزن إلى الفرح والحمد لله على أنهم لم يفقدوها.
هكذا نحن في بعض تصاريف دهرنا، نتألم من شيء ما ونجد فيما بعد أنه كان رحمة ولطفا.
أما قصة الغلام فتصور أبوا هذا الغلام الصغير اللذان فجعا بفقده في أشد صورة، تصور كيف شعورهما وهما يريان ولدهما مقتولا على يد مجهول لم يعرفاه، إنها مصيبة وفاجعة عظمى لا ينسيها شيء من متع الدنيا وحتى ربما عندما رزقا الولد الآخر فهما لم يكونا يعرفان الحكمة من وراء قتل هذا الطفل إنما ظل ذلك حسرة وغصة وحزنا وجرحاً غائراً في نفسيهما.
هكذا نحن في بعض تصاريف الدهر، نحزن ونتألم ولا يجبر خاطرنا أي نعم مستقبلية
وما حدث لنا مثل هذين الأبوين
لا نعرف أن من وراء هذه المصيبة لطف وحكمة إلهية.
وأما اليتيمان فإن رعاية الله حاطتهما وبعثت من يحافظ على كنزهما من دون أن يشعرا بذلك
وهكذا نحن في جل تصاريف الدهر، يبعث الله من يجري على يديه اللطف لنا من غير أن نحس. ويكون لطفا خفيا مستترا يحوطنا بعميم بركاته ونحن غافلون.
فحالنا وعوارض الدنيا من فقد ومرض وحزن وحاجة وغيرها:
* بين أن نتألم لنكتشف أن ما حدث فيه الخير بل كل الخير.
* أو نصاب بأذية ويعوضنا الله خيرا منها ولايزال أثر المصيبة حاضرا.
* أو أن الله يدبر أمورنا ويرسل لنا لطفا إلهيا متواترا متصلا متسقا من دون علم منا
كل ذلك لجهلنا بحكمة الله وغفلتنا عن لطفه ورحمته وفضله وبركاته علينا.
لذلك ما علينا إلا التسليم والرضا التام والاطمئنان القلبي الراسخ أن ما كان أفضل لأن الله اختاره لنا لعلمه بما يصلح حالنا.
فسبحانك ما أكرمك وأرحمك وألطفك بعبادك تقدست وتعاليت رب العالمين.