سألني صاحبي، فقال: لماذا لا تكتب في ذكرى ميلاد النبي محمد (ص)؟ قلت له: قل لي من ذا استطاعَ أن يكتب فيه؟ أنا لا أعرفه كما ينبغي، ومن لا يعرفه فلن يكون مدحه ذا قيمة، لكن سوف أصفه في شيءٍ رأيته، ثم أنقل لك كيف يصفه من يعرفه؛ كي تعرفَ الفصاحةَ من الفهاهة والبلاغةَ من الركاكة!
كان في زمن والدي مهنتان هما الفلاحة والبحر، الأولى فوق الأرض، والثانية فوق الماء، وكنت أهوى المهنتين، لم يُحط عقلي ويعرف كيف كان والدي يبحر كل ليلةٍ في الظلام دون أن يتوه، ولم أكن أعرف كيف يجد طريقه عندما لا شيء سوى الموج من جميع الجهات، وبحرٌ أخضر يميل نحو الزرقة، يحول بينه وبين الأرض اليبس، والسماء كلها غطاء من النجوم تتلألأ! ما لم أكن أعرفه أن نجومَ السماء لا حصر لها، لكن والدي لا يراها وإنما يرى واحدةً منها شديدةَ اللمعان، يراها لا تغيب وإن اشتدت الظلمة، يرفع رأسه إلى السماء، يشير للنجمةِ بأصبعه، ويقول: هذه هي الدليل، أنظرُ إليها وأسير فأصل إلى الشاطئ، وفعلًا لم يتُه والدي، أو أحدٌ من أصحابهِ ليلةً واحدة!
هكذا هو النبي محمد (ص) في وصفي المتداني دنو الثرى، حيث وصفته بالنجم الذي يهتدي به كلُّ تائه، ويصل لمبتغاه، أما الوصف الذي هو في علو الثريا فقد جاء من فمِ رجلٍ كان لصيقًا بمحمد (ص) وعرفه أكثر من غيره، ذلك الرجل هو الإمام علي بن أبي طالب (ع) فقال في وصفه: “صَلِّ اللّـهُمَّ عَلَى الدَّليلِ اِلَيْكَ فِي اللَّيْلِ الْألْيَلِ، وَالْماسِكِ مِنْ اَسْبَابِكَ بِحَبْلِ الشَّرَفِ الْاَطْوَلِ، وَالنّاصِعِ الْحَسَبِ في ذِرْوَةِ الْكاهِلِ الْاَعْبَلِ، وَالثّابِتِ الْقَدَمِ عَلى زَحاليفِها فِي الزَّمَنِ الْاَوَّلِ، وَعَلى آلِهِ الْاَخْيارِ الْاَبْرارِ”.
وصفُ علي (ع) تفرّد في الجمالِ والدقة،.فجاء فيه “الْأَلْيَل” فلم يكن الليل الذي هدى فيه محمد (ص) الناسَ إلى الطريق مظلمًا بل كان شديدَ الظلمة، وقال: “الْأَطْوَل”، فلم يكن حبل الشرف والسلسلة التي جاء منها النبي محمد، وعبر نحو الوجود المادي (ص) طويلًا، بل الأطول، ولم يكن حسبه أبيض بل كان “ناصعًا” خالصًا وصافيًا من كلِّ شائبة، وكان “الكاهل الأعبل” الأعلى والأقوى في كلِّ شيء، ووصفه بثابتِ القدم فوقَ المنحدراتِ والأماكن التي لا تثبت فيها الأقدام!
ولم يغفل حفيده الإمام علي بن الحسين أن يُكمل بديع الكلام والوصف فقال عنه: “النبي الأمي القرشي الهاشمي العربي التهامي المكي المدني”. تا الله ما استطاع أن يصفَ النبي محمد (ص) إلا من عرفه والباقون مدحوا أنفسهم حين مدحوه، فشتان، ما أبعدَ الثريا عن الثرى! وما أبعد الترابَ من الأنجمِ الزهر!