آفة التصنع

إن التصنع آفة أخلاقية واجتماعية، وهو مرض خطير، وإن انتشاره سريعًا، وخصوصًا في مجتمعاتنا الحديثة، يجعل بعض الناس يلجؤون إلى ممارسة بعض الأدوار التي لا تتناسب مع الإمكانيات والقدرات، وربما يجعلهم يتقمصون أدوار الشخصيات الإعلامية أو الاجتماعية أو الثقافية، وبالتالي فإن اللجوء إلى الكذب والخداع يعتبر الهدف الأساسي لتحقيق بعض المصالح والمآرب الشخصية، الأمر الذي يدفع للاستمرار في التستر بين فينة وأخرى، وعدم الالتزام بالصدق في التعامل مع الآخرين.

إن هناك بعض الأمثلة على عمليات التصنع، فمثلًا شخص يدعي أن لديه الثقافة والمعرفة العالية، والقدرات والإمكانيات الخارقة، والكماليات الدينية، والإيمانية، والثقافية، والعلمية، والعملية، أو شخص يتظاهر بأنه يتبع طريق الحق والفضيلة والأخلاق الحسنة، ولكنه في الحقيقة الأمر شخص يمارس الخداع والكذب، لإخفاء الكثير من العيوب والحقائق، وذلك حتى يقنع الآخرين بأنه إنسان مثقف، ومنضبط، وذكي، ومؤمن، وأيضًا ليتمكن من إرضاء نفسه، حتى يتخلص من حالة القهر الذاتي، والشعور بالنقص، بالإضافة إلى ذلك ممارسة التضليل، للوصول إلى بعض المناصب التي لها مكانة اجتماعية عالية، على سبيل المثال النفوذ، والوجاهة الاجتماعية.

الافتقار للوعي، أي عدم إدراك حقائق الأمور يعتبر السبب الرئيسي للوقوع في فخاخ هذه الفئة المريضة، وخصوصًا أن بعض الناس يعطي فرصة لهؤلاء، فهناك مجتمعات تلجأ إلى الممارسات غير الأخلاقية، فمن هنا يجب أن نتعامل مع بعض الشخصيات بوضع الخطوط الحمراء، والقوانين الصارمة، أي أن لا نجهل مرورها في المجتمع دون التدقيق والملاحظة، فإن هناك العديد من الشرائح الاجتماعية التي تعطي الفرصة للكثير من الشخصيات للوصول إلى بعض المواقع الاجتماعية المتقدمة، مما يجعل لديها حالة من الانعدام في الثقة لوضع شخصية معينة في الواجهة الإعلامية أو الاجتماعية أو الثقافية.

إن المواقف والأحاديث التي تطلقها الشخصيات المتصنعة، في الغالب تكون غير متوازنة، ومنسجمة مع التطورات التي تحدث في مختلف المجتمعات البشرية، نظرًا للافتقار إلى القراءة الدقيقة، والقدرات والإمكانيات والأدوات اللازمة لإحداث تغيرات جوهرية في البيئة الاجتماعية، وخصوصًا أن صدور مثل هذه المواقف والأحاديث المتشنجة من الشخصيات المتصنعة تحدث حالة من التخبط، والإرباك الداخلي في المجتمع، فالأمر لا يقتصر على جيل واحد، بل سيمتد إلى الأجيال القادمة.

إن التصنع لعبة الفاشلين، وغير مقبولة على الإطلاق، وخصوصًا لدى الفئات الاجتماعية الواعية، فإن هناك أشخاصًا لا يمكن اختراق عقولهم وقناعاتهم بسهولة، نظرًا لإغلاق جميع الثغرات والطرق الرئيسية والفرعية المؤدية إلى تحقيق بعض المكاسب والمآرب الشخصية، والوصول إلى بعض المناصب، فالتصنع عملية لتحقيق المآرب الشخصية، وإن وجود بعض الأطراف الواعية أمر مهم جدًا، وذلك من أجل إعادة التوازن في البيئة الاجتماعية.

ختامًا، كلما كان المجتمع واعيًا أكثر، فإن هذه الممارسات غير الأخلاقية ستكون غير مقبولة ومرفوضة، وإن انتشارها سيكون ضئيلًا في البيئة الاجتماعية، بينما ستكون الأمور أكثر سوءًا في حال التسليم الكامل والخضوع للمتصنعين، وجعل هذه الممارسة ثقافة اجتماعية، وسلوكًا مقبولًا على الدوام.


error: المحتوي محمي