عشرون عامًا خلف العدسة، تمارس هواية غلبتها حتى تنازلت عن مهنتها في التعليم، فجعلها شغف اللحظات تتفرغ لهذه الهواية التي أخلصت لها، وكرست لها وقتها وجهدها.
تلتقط لحظات الفرحة الأولى، وتسجل ابتسامة سعادة أم بوليدها، أو طالبة بتخرجها.. قصص وحكايات وراء كل لقطة.
وكأي صاحبة استوديو، تذيل “عزيزة” فاتورة زبائنها بعبارة توضح فيها تاريخ إتلاف الصور إن لم يتم استلامها، وكمشهد متكرر في الاستديوهات لابد من التعرقل بزبون يتخلف عن استلام تلك الصور، أيًا كان السبب في تخلفه، فإنه لا يأتي.
“عزيزة” خالفت المألوف عند الكثير من الفوتوغرافيين، فهي لم تتلف أيًا من الصور أو تسجيلات الفيديو بعد شهرين من تاريخ الانتهاء، ولا بعد أشهر، ولا حتى بعد سنة، بل إن لديها أرشيفًا يقترب من 14عامًا، كانت تقاوم إتلافه، تنوع بين صور لعروس ربما لديها الآن ابن في المرحلة المتوسطة، وطالب قد يكون على وشك التخرج، ومولود اجتاز من مراحل التعليم ما اجتاز، وغيرها كثير من الالتقاطات التي تروي قصصًا وحكايات مختلفة، فهي تعتبر كل لقطة حياة بكاملها، يصعب إتلافها ووضعها تحت مقصلة الإعدام، إلا أنها وضعتها تحتها رغمًا عنها.
عزيزة عبد المحسن الغانم، تفتح لـ«القطيف اليوم» بوابة ذكرياتها، وعلاقتها بالكاميرا، واللحظات السعيدة، التي يغلفها الغموض والأحزان أحيانًا، فما وراء الكاميرا كواليس وحكايات كثيرة.
التفرغ
بدأت علاقتها بالكاميرا مبكرًا، وعن هذه البداية الشديدة الاختصار تقول عزيزة الغانم: “منذ طفولتي كنت أجمع الصور من الجرائد؛ والمجلات من كل الأحجام؛ كبيرها وصغيرها، وأقوم بتجميعها، ولصقها بالصمغ في كتاب وعمل ألبوم مليء بصور الأطفال ونجوم عالم الفن وكل ما هو جميل”.
وتضيف: “أنا خريجة أدب إنجليزي، وقد عملت مدرسة لمدة 16 عامًا (1416 – 1433)، ثم غلبتني ميولي الفنية، وتوجهاتي نحو عالم التصوير، فقررت تقديم استقالتي، والتضحية بوظيفتي الحكومية من أجل التفرغ لعالم التصوير وإعطائه حقه، اعتبارًا من العام ١٩٩٩، حتى احترفت التصوير في العام 2001م”.
تطوير
لم تكتفِ “الغانم” بموهبتها وشغفها بالكاميرا، ولكنها دعمت هذه الموهبة بعدد من الدورات، وما زال حرصها على تطوير أدواتها وموهبتها قائمًا، فقبل عشرين عامًا، في حقبة ما قبل الكاميرات الرقمية، تعرفت على كل تفاصيل الكاميرا والأفلام والإضاءة، ثم توالت الدورات ملاحقة للتطورات المذهلة في عالم العدسات والكاميرات الذي لا يتوقف.
استوديو
في العام 2005 كانت القطيف على موعد مع استوديو نسائي، ظهر على استحياء تحت اسم “بنت القطيف”، إلا أنه أخذ اسمه وصيته في المنطقة، فكان لابد من التغيير، عن ذلك تقول: “تم تغييره ليصبح أكثر شمولية بعد استقباله حجوزات من خارج المنطقة، وأصبح من الصعب أن توسم الصور بختم منطقة محددة، فتم تغييره ليصبح باسمي “عزيزة فوتو”.
الأول
ولأن الذكرى الأولى تحفر مسارًا خاصًا، فهي مازالت تذكر أول لقطة لها كمصورة محترفة فقد كانت لابنها الوحيد، أما أول حفل زفاف سجلته عدستها فكان لعائلتي الزاير والشماسي.
من الخبر
رغم كثرة الأعذار التي يسوقها أصحابها للتملص من استلام الصور ودفع المستحقات للاستوديو، إلا أن هناك قصة لا تفارق ذاكرة عزيزة، تحكي تفاصيلها قائلة: “اتصلت زبونة من الخبر، كنت قد صورت أختها قبل فترة، وأخبرتني أن يوم غد هو يوم زفافها، وأن المصورة نكبتها وأخبرتها أنها لن تأتي لتصويري، وسألتني إن كنت أستطيع تصويرها، وافقت واتفقنا على 4000 ريال أكدت لي أنها ستدفعها بعد حضوري لها، في اليوم الثاني ذهبت لتصويرها وانتهيت، ولم تدفع لي ريالًا! وبعد 4 أشهر كلمتها لأسالها عن حقي، فرد علي أخوها وقال لي: نحن لا نعرفك ولا نعرف عن ماذا تتكلمين، وحين وسطت أحدهم ليكلمهم قالوا سيدفعون لي حقي، إلا أن القصة مضى عليها ٦ سنوات وحتى الآن “لا حس ولا خبر”!
قبل ماكينة الإتلاف
وعلى عكس ما هو متعارف عليه في عالم التصوير، وتلك اللافتة التي تشاهدها في كل الاستديوهات تقريبًا، وتحذر كل العملاء بأنها ستحتفظ بالصور لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر أو لعام على أقصى تقدير، تفاجئنا “الغانم” أن لديها أرشيفًا عمره يمتد لحوالي 14 عامًا، لكنها قررت مؤخرًا أن تتلف هذا الأرشيف كاملًا.
وقبل أن تدور ماكينة الإتلاف، قالت: “أرشيف لم أحصه عددًا، مئات الصور والفيديوهات والمتعلقات من ألبومات، الإحصائية لم تعد مهمة بالنسبة لي، فأنا لن أقوم بعد أوراق باتت تحت مقص الإعدام، خسارة من جهدي، ووقتي، ومالي، ووقت وصحة كادر العمل الذي يساعدني”.
وأوضحت أنها انتظرت كل هذه السنوات، لأن هذه الصور ليست مجرد مطبوعات بالنسبة لها، إلا أنها تعتبرها أرواحًا تجسد أشخاصًا التقت بهم ذات يوم، ولا علم لها ما الذي حل بهم الآن.
سهر الليالي
تقول عزيزة: “انتظرت كل هذه السنوات لأنني أشعر أنني سأتلف جهدي، وعملي، وسهر الليالي، ومعاناتي، حتى في أصعب الظروف، ومع قلة الأيدي العاملة سعيت جاهدة لإنجازهم على أكمل وجه، صعب جدًا عليَّ إتلاف مجهودي بيدي، انتظرت لأنني لا أعلم ما الذي حل بهم، أرقامهم خاطئة، والبعض لا يرد، والبعض الآخر ينكر أساسًا أنه قام بالتصوير لدينا برغم أني أعرفهم جيدا من أصواتهم”.
مساء مر
في الخامس من نوفمبر كان الحدث الأصعب عليها، فقد أتلفت تاريخ الـ14 عامًا، وبذلت في ذلك جهدًا يكاد لا يقل عن جهد التصوير، فثقل الإتلاف على نفسها يشبه ثقل ساعات حملها للكاميرا، ساعات تعديل الصور وتصميمها، وساعات الطباعة والتغليف، تقول: “إنه مساء مظلم على عزيزة أو زبائنها، مساء يشبهه منذ 16 عامًا”.