
بين جدران مدرسة واحدة وعلى كراسي فصل واحد، تتفاوت قدراتهم، يحاولون بجهودهم المختلفة أن يحققوا ما يتمناه الأهل منهم، أو ما يسعى معلموهم لأن يحققوه، وقد يخفق بعضهم أو يتعثر، إلا أن ذلك لا يعني أن كل مَنْ يعاني صعوبة في القراءة، أو لديه مشكلة مع الأرقام والمعادلات الرياضية، متخلف عقليًا، كما أن ليس كل مَنْ لدية فرط حركة لابد أن يوضع في فصول الدمج.
من هنا نفذ قسم القياس والرعاية النفسية بوحدة الخدمات الإرشادية بالقطيف برنامجًا بعنوان «التوعية بالاضطرابات السلوكية والنفسية في المدارس»، مستهدفًا عددًا من مدارس القطيف، يقدمه مشرف القياس في الوحدة فيصل آل عجيان، وذلك وفقًا لخطة الوحدات الواردة من الإدارة العامة بالدمام.
عن البرنامج
في البداية، ذكر “آل عجيان” أن البرنامج بدأ تنفيذه مع بداية هذا الفصل الدراسي، ومن المتوقع أن يستمر في السنوات القادمة، معللًا بأن هناك حاجة كبيرة لهذا البرنامج، وأن استحداثه كان بسبب الحاجة الماسة إليه.
وقال: “إنه ليس خطة وزارية، ولكنه على مستوى تعليم الدمام، وتم استحداث الخطة لتلمس الحاجة إلى التوعية، وقد خصصنا عشر مدارس، نرى أنها تستحق الرعاية”.
لماذا 10
أوضح آل عجيان لـ«القطيف اليوم» أن سبب اختيار العشر مدارس دون غيرها، يرجع إلى أن القائمين على البرنامج وتطبيقه، اعتبروا هذه المدارس مستهدفة بالرعاية في هذه المرحلة، وسيستكمل البرنامج بعد ذلك، في مجموعة أخرى من المدارس.
الهدف
وبين أن الهدف من البرنامج هو التوعية بالحالات النفسية أو السلوكية المضطربة، مثل صعوبة التعلم، وهي التي توجد عند أشخاص ذكائهم متوسط فما فوق، لافتًا إلى أنه إذا انخفض الذكاء عن المتوسط فلا يمكن تسميته صعوبات تعلم، ولكن في هذه الحالة تكون له مسميات أخرى، مثل؛ بطء تعلم، أو تأخر ذهني أو غيرها من المسميات، مشيرًا إلى أنه أحيانًا يكون الطالب لديه صعوبة في القراءة بغض النظر عن سبب هذا الضعف، وفي هذه الحالة يتراجع مستواه التعليمي عما كان عليه من ذي قبل.
دمج وخلط
وأكد أن التدخل لإنقاذ الطالب هو أحد أهداف البرنامج، وقال: “من هنا قد يطالب المعلم بدمج هذا الطالب في التربية الخاصة أو غيرها، وقد مرت علينا حالات من المفروض أن يتم تصنيفها بصعوبة التعلم، ولكن للأسف تم تصنيفها في التربية الخاصة، رغم أن قدراتها العقلية متوسطة، أي ضمن 68% من الناس، فلا هم بالعبقريين ولا المتخلفين عقليًا، وأحيانًا تكون لدى الطالب صعوبة تعلم في الرياضيات والقراءة، وأحيانًا في أحدهما فقط”.
وأضاف: “عندما أضع طالبًا في فصل أقل قدرة عقلية، فإن النتيجة تكون انعدام الدافعية لدى ذلك الطالب متوسط الذكاء، وتنعدم لديه التنافسية، وحتى إن نجح فسيكون مدمرًا داخليًا، بسبب أنه غير متكيف، وسط عدم تنافسية، وشعوره أنه يستحق مكانًا أفضل، مما يجلب له مشاكل نفسية أخرى”.
3 فئات
وتابع “آل عجيان”: “لدينا في التعليم العام ثلاث فئات من الطلبة، قد يعتقد بعض المعلمين أنهم يفترض أن يكونوا ضمن التربية الخاصة، فمنهم بطء التعلم؛ وهو يشبه صعوبة التعلم، ولكنه ليس في مادة أو اثنتين، بل في كل المواد، وينجح بشكل متقطع – ينجح عامًا ويرسب آخر – وهذه الحالة نصنفها ضمن الفئة “الحدية”؛ والفئة الحدية من لديهم تدهور في القدرة العقلية يقف عند أقل درجة في العاديين ولم يصلوا إلى درجة التأخر العقلي، وهو ليس ضمن فئات التخلف العقلي، لكنه أقل من متوسطي الذكاء؛ لذلك يعيش صعوبة، ويحتاج جهدًا كبيرًا للوصول إلى النجاح”.
واستطرد: “وفي الغالب هؤلاء يكونون طبيعيين، ويتواجدون في التعليم العام، ولكن بعض المعلمين لا يتقبلونهم ويبذلون جهدًا كبيرًا، ولكن الناتج يكون بسيطًا، ولذلك ننصح في هذه الحالة بالتركيز على المهارات الأساسية المطلوبة للنجاح، ونوجه أولياء الأمور بألا يضعوا طموحات عالية لدى أبنائهم الذين يعانون من بطء التعلم؛ لأن الطموح العالي يضغط على نفسية الطالب، وهو هدف غير واقعي، ويضع عبئًا كبيرًا على نفسيته، ولذلك فإننا نوعّي المعلمين وأولياء الأمور على حد سواء”.
أمثلة
واستعرض أمثلة على ذلك، بأنه عندما يتوهم أحد هؤلاء الطلبة المرض، نجده كثير الغياب، ويراوح المستشفى، لمجرد توهمه المرض، ويتأخر نتيجة قلقه، وكثرة مراجعته للمستشفى، وربما التقارير التي يحصل عليها من المستشفى تقول إنه طبيعي في الغالب، ومع ذلك فهو يشكو، ويغيب، ويتأخر دراسيًا، وإدارة المدرسة يتعاملون مع الموقف على أنه عادي، ولكنه يتوهم المرض، ويعاني من اضطراب، فنحن نقوم بتوعية كل الأطراف.
السواء واللاسواء
أوضح “آل عجيان” أن هذه الاضطرابات السلوكية والنفسية موجودة في المدارس، كما هي في المستشفيات، مبينًا أن المشكلات النفسية الموجودة في كل المستشفيات، موجودة في المدارس، ولكن الفرق بينها يكون في الدرجة؛ بمعنى أن أي مشكلة نفسية موجودة في المستشفيات موجودة في الأسوياء بدرجة أقل، والفارق بين من يتواجد بالمستشفى ويراجع الطبيب النفسي، وما يرد على المرشد الطلابي أن شدتها أقل، لأن غالبية الناس لا يلجأون إلى المستشفى إلا عندما تبلغ الحالة ذروتها، من اكتئاب، وقلق، ووساوس.
ونوه بأنه قد يعاني هذه الحالات نفسها داخل المدرسة ولكنه يتعايش معها، في حين أنها تحرمه الحياة الطبيعية، وإن لم يذهب للمستشفى لأن شدتها لم تبلغ من الألم والمعاناة ما يجعله وأهله مضطرين لذلك، وقال: “من المفترض أن تكون هناك خدمات علاجية بالمدارس، عن طريق المرشد الطلابي، أو وحدات الإرشاد، إذا كان المرشد غير قادر على التعامل مع الحالة، فهذه الحالات تحتاج إلى وعي، وأي سمة نفسية أو اضطراب ممكن أن يكون في المدارس، فالفروق في السواء واللاسوء تكون في الدرجة والشدة”.
وأضاف: “هناك أماكن في التعليم العام تكون بين السواء واللاسواء، وهذه المشاكل تجعلهم موجودين، وحتى المشاكل العميقة التي تصل إلى حد الشيزوفرينيا “الفصام ” مثلًا، مع العلاج والتمارين السلوكية والعلاج الدوائي بالمستشفى، رجعت حالتهم للاستقرار، والآن هم في المدارس وحالاتهم جيدة، لا نقول مستقرة أو منتكسة، لأن كل الاحتمالات جائزة، ولكن نقول إنها أقرب للاستقرار”.
آلية التنفيذ
وبالعودة إلى تفاصيل آلية تطبيق الهدف والوصول إليه، أكد “آل عجيان” أن “الهدف من البرنامج هو التوعية بدور المدرسة، والاضطرابات، وأهمية تفهم الحالات المضطربة، وليس معنى أنه يعاني من اضطراب ما أن المدرسة ليست مكانه، ومن المفروض أن هذه العبارة لا يسمعها الطالب”.
وتابع: “حتى اللوائح لا تلزم التسميع الشفاهي فمثلًا؛ ممكن عن طريق التسجيل، فهناك دائما حلول، دون اختراق للوائح، لأن المطلوب من الاختبارات هو قياس تحصيل الطالب وليس تعجيزه، فنحن نستعين بالاختبارات لقياس تحصيل الطالب ونقيمه، فأي وسائل تعين على اكتشاف تحصيل الطالب، هي وسيلة تقويم معتمدة، إذا كانت هناك عوائق مثل الخجل الاجتماعي، أو أي اضطراب آخر قد يحجب عنا معرفة تحصيل هذا الطالب، فنستعين بوسائل أخرى غير تقليدية يمكن أن تعمل مع غير المضطربين”.
وأشار إلى أن بعض المدارس تطلب تعميمًا، وهنا نعطيهم توصيات بأن هذا الطالب يمكن أن يتم تقييمه بطريقة مختلفة، ولا يحرم من الدرجة بسبب مشكلته، وقال: “لدينا عشرة مدارس – كما ذكرت – والمستهدفون فيها هم؛ المدير، ووكيل المدرسة، ووكيل الطلاب، والمرشد أو المرشدون، إذا كان هناك أكثر من مرشد، والمعلمون، بما لا يقل مجموعه عن عشرين، فإذا اكتمل النصاب عشرين فأكثر، نبدأ الورشة”.
واختتم بقوله: “أحيانًا كلامنا عن الاضطراب يختلف من مدرسة لأخرى، بناءً على الحالات التي تثار من قبل المعلمين أو المرشدين أو قيادات المدرسة، فإذا ما عرف المعلم أو القائمون على العملية التعليمية أن بعض الطلاب يعانون من اضرابات سلوكية، ولذلك السبب فهم متعبون، نحن نوضح لهم أن صعوبة التعلم ليست عائقًا لنجاح هؤلاء الطلاب”.
وفي النهاية، قدم “آل عجيان” الحلول البديلة التي من شأنها أن تعزز الطالب وتتوافق مع حالته، ومن ثم يستطيع اجتياز الاختبارات، وهي أن نستثنيه من بعض القرارات، بمعنى أنه خلال البرنامج لابد من العمل على إثارة الوعي، لأنه مهم حتى لا يتنمر عليه أحد أو يتم تحويله للتربية الخاصة، فهو في الغالب يكون إنسانًا طبيعيًا، ولكنه يحتاج فقط إلى آلية مختلفة للتعامل معه.