رحلة الحق إلى كربلاء

لم تكن رحلة الحق التي سار فيها الإمام الحسين (ع) هي استجابة لدعوة أهل العراق ليحكمهم، فأرسل لهم سفيره مسلم ابن عقيل (ع) للتمهيد بقدوم الإمام الحسين (ع) إلى العراق، ولكنهم تخلوا عنه وقاتلوه في الكوفة حتى استشهاده.

إن الإمام الحسين (ع) عندما ثار بثورته المباركة في العام ٦١ للهجرة، وفي معركة غير متكافئة غاب عنها الضمير الإنساني، كان له أهداف بعيدة لحماية الدين الإسلامي، ضمن مخطط إلهي مرسوم أبلغه الله تعالى لرسوله الكريم (ص)، وتم تهيئة الإمام الحسين (ع) لهذا اليوم ليتم حفظ الدين الإسلامي من الانحراف والحفاظ عليه حتى قيام الساعة.

الإمام الحسين (ع) عندما كان في مكة وقبل توجهه إلى العراق قام خاطباً وهو يقول: “وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأن بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء” وهذا دليل على أن الإمام الحسين (ع) يعلم بالمخطط الذي أراده الله وأخبره به جده النبي محمد (ص) بكل تفاصيله، من تاريخ ومكان استشهاده وطريقتها كما بيّنها في كلامه، وسبي أهل بيته حيث قرر اصطحابهم معه وهو عالم بما سيحل عليهم من مصائب (سبي، ومعاناة، وظلم) كل ذلك لتحقيق الأهداف الكبرى التي أرادها الله تعالى من ثورته العظمى.

الإمام الحسين (ع) لم يقم بثورته العظيمة لكي يبكيه الناس ويزورونه فقط، إنما قام بثورته العظيمة انطلاقاً من هدف واضح وصريح أعلنه أمام العامة أثناء خروجه من مكة قائلاً: “إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق”.

في زيارة الأربعين الملايين من عشاق الإمام الحسين (ع) من أتباع الحق يرددون: “لبيك يا حسين” وهي زاحفة نحو القبر الشريف في كربلاء الشموخ، بالرغم من الظروف الصعبة التي يمر بها العراق الْيَوْمَ، وذلك لإحياء ذكرى أربعين يوماً مضت على ملحمة كربلاء الخالدة، والتي استشهد فيها الإمام الحسين (عليه السلام) مع مجموعة من أهل بيته وأولاده وأصحابه (عليهم السلام) وسبي نسائه في تلك المعركة الظالمة.

الأفكار تتشتت واللسان يتلعثم والقلم يجف مداده وينحني خجلاً من أن يكتب عما يراه المتابع عبر المحطات الفضائية، عن روح التعاون والإخلاص للفرد الموالي لآل البيت (ع)، وتقديم أبسط الخدمات للزائرين والمشاية الزاحفين إلى كربلاء المقدسة لزيارة سيدهم الحسين (ع)، الذين جاءوا إلى العراق من مختلف دول العالم ومن كل المدن العراقية التي تبعد مئات الكيلومترات عن كربلاء المقدسة.

وفي الختام، إن رسالة الإمام الحسين (ع) وتضحيته كانت من أجل أسمى هدف وهو حفظ الدين عن الزوال والانحراف، ولولا تضحية الإمام الحسين (ع) بتلك الصورة العظيمة في تلك المرحلة العصيبة لم يبق للإسلام أثر يذكر، لأن المخطط الآخر كان متقناً وكاد أن يقترب من الوصول إلى أهدافه؛ لذلك فإن إحياء هذه الذكرى العظيمة فرصة لها أبعاد روحانية مؤثرة لمحاسبة أنفسنا وأفكارنا وتحريك عقولنا نحو الأهداف السامية التي من أجلها ضحى الإمام الحسين (ع).


error: المحتوي محمي