عندما خلق الله تعالى العقل قال: بك أثيب وبك أعاقب، ووهب ذاك العقل لكل خلقه وأعطى عبده فوق ذلك روحًا نقية طاهرة متصلة به سبحانه، وكان الشرط الوحيد لهما هو الطاعة التامة لله تعالى ووضعهما في جسم مادي ثقيل للحماية وللقيام بما يلزم من أوامره وتجنب نواهيه.
لكن!
سأتوقف هنا وأسلط الضوء على هذا الزمن ليس من باب اليأس والتشاؤم، وإنما ذكر الحقيقة مهما كانت صعبة.
وأقول:
العقل والروح في هذا الزمن أصبح مع الأسف محطة لتجمع نفايات من أفكار سامة وأخرى سلبية، وكانت النتيجة أن تولدت من تلك الأفكار مشاعر قاتلة لطهارة وسكينة وجمال الروح والعجيب أن الإنسان جرى باحثاً في شرق الأرض وغربها عن حلول لمشاكله الفكرية والنفسية والصحية، ناسياً أو متناسياً أن:
داؤك منك وما تبصر..
ودواؤك فيك وما تشعر
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل استحسنت هذه النفايات الذي تأكل في عقلك وتجعلك أسير الخلافات والمشاحنات والتوتر والعصبية والنرجسية والصراع الداخلي بين قوة العقل وسلطة النفس؟
وهذه معركة قائدها هواك وشيطانك الذي استسلمت له دون أن تشعر بذلك؛ فهل تريد أن تكون نتيجة تلك الحرب الخسران لعقلك ولروحك؟
إن كنت ترفض هذه النتجة إذاً تحرك ونظف عقلك من تلك النفايات التي انتشرت رائحتها النتنة في الأرجاء وأصلح عيوبك، وصحح أخطاءك، وأكمل نواقصك، وعطر روحك بكل ما هو سليم وصحيح من عبادة وثقافة ومعرفة؛ حينها سوف تستطيع الرجوع له بقلب مطمئن وسلام داخلي وستعرف أن عقلك لم ولن يكون يوماً من الأيام محطة للنفايات واعلم أن الله تعالى لا يريد منك الكمال بل يريد منك الصدق والسعي نحو التكامل فالحياة هي مجموعة قصص متفرقة تحمل كل قصة رسالة من خلالها توضح العلاقة ما بين الحياة والموت، وأن ما بين رحلة الحياة والموت تكمن حكاية مؤلفها الإنسان نفسه من خلال الأحداث التي يعيشها وتشكيل شخصيته نوعاً، وأثراً.
إن البحث في تفاصيل الحياة يختلف نتائجه حسب عقليات الناس في التحليل لتلك التفاصيل وسمفونية المتعة بالحياة ويتوقف على النظرة الفكرية للإنسان حول رؤية تفاصيل الجمال من عدمه فالبعض يرى الجمال والمتعة في زاوية محدودة المساحة في غرفته بينما آخر يرى ذاك الجمال في الفضاء الواسع.
النقطة الجوهرية لرؤية الجمال والتمتع به تحتاج إلى إستراتيجية الانسلاخ عن دراما الألم والحزن المزمن
وليس الانسلاخ عن الألم المؤقت الذي يعلم ويربي ويطور الإنسان؛ فدمار الإنسانية يتحقق من خلال الغرق في تفاصيل صفحة واحدة من دراما الحياة
على حساب الصفحات الأخرى فهي تجعل فكر ومعتقدات الإنسان ضيقة الأفق من حيث التحليل والفهم والحكم، وإن روح الإنسان خُلقت طليقة لها رونق وجمال مميز، وإن خروجها من دار الدنيا إنما هو انتقال إلى دار البقاء، وفي حين أن الموت للجسد
ولذلك تلك الروح الخالدة
تحتاج أن نسقيها بشراب الصدق والمحبة والرحمة والتواضع والعفة الأخلاقية وتهذيب النفس والارتباط القوي بخالق تلك الروح لتبقى روحًا حية متألقة في الدنيا وما بعد الحياة الدنيا.