في حديث حول المسنين بالقطيف .. آل خميس يستشهد بوالده والعلوان تطالب بالدعم المتكامل

اختلف المختصون حول تعريف الاكتئاب ومسبباته لدى المسنين، خاصة مع ميل البعض إلى النظريات الغربية التي تقول إن ارتفاع نسبة الانتحار بين كبار السن في زيادة مستمرة، واعتبر من يخالفهم الرأي أن هذه النظريات لا تتطابق مع ثقافة مجتمعنا ولا عاداته وتقاليده وثوابته الدينية.

من بين هؤلاء المختصين تبنّت اختصاصية الصحة النفسية الدكتورة ثريا العلوان، النظريات التي تصل بالاكتئاب لحالات الانتحار، خلال محاضرة “الاكتئاب لدى كبار السن أعراض وعلاج”، وذلك ضمن فعاليات يوم الصحة النفسية العالمي والذي يحمل شعار “حياتك غالية”، بتنظيم منتدى الخط الحضاري بالقطيف، بالتعاون مع مجموعة أصدقاء تعزيز الصحة النفسية، المصادف يوم الخميس 10 أكتوبر 2019م تزامنًا مع تاريخه السنوي، في منزل فؤاد نصر الله بالقطيف، وقاد دفة حوارها الاختصاصي الاجتماعي جعفر العيد، بحضور عدد من المهتمين بالشأن الثقافي والاجتماعي في المجتمع، من فئة الشباب وكبار السن.

تفاصيل الاكتئاب
واستفاضت الدكتورة ثريا العلوان في الحديث عن الاكتئاب عند كبار السن، الذين بلغوا 65 سنة وأكثر من العمر، ونجدهم معنا في كل بيت وفي كل عائلة، وقالت: “رغم ما يلاحظ على أغلبهم من تمتعه بحالة صحية جيدة، إلا أنهم مع مرور الزمن يتعرضون إلى أمراض نفسية وعصبية، وفقد لبعض الحواس الخمس مما يسبب انتكاسة مع تقدم العمر”.

وعرّفت الاكتئاب على أنه اضطراب عضوي نفسي يصيب الإنسان، ويفقده الإحساس بالمتعة ونقص النشاط، والإحساس بالخمول والتعب واضطراب النوم، مع زيادة أو نقصان في الشهية، والشعور بضآلة الذات ولوم النفس والرغبة في الموت تصل لحد الانتحار.

وأرجعت أن العامل البيوكيميائي الذي ينشأ نتيجة خلل في توزيع إنزيمات الدماغ أحد الأسباب التي تصيب الشخص بالاكتئاب، مع النظر إلى العوامل الأخرى سواء كانت وراثية جينية، أو عوامل بيئية، ومشاكل صحية وتدهور الحواس، بالإضافة إلى الأعراض الجانبية لبعض الأدوية والاعتماد السلبي على بعضها، وكذلك المشاكل المادية.

العزلة
وأكدت على دور الوحدة والعزلة في خلق أجواء اكتئابية للمسن، والتي تنتج عن تناقص المحيطين به، سواء بالموت أو العيش خارج نطاق الأسرة، وتناقص الحركة الاجتماعية له، والخوف من المستقبل، ومن الإصابة بالمرض، كما نجد المسن يخاف من التغيير مع فقد الأحباب والأقارب، وكذلك خوفه من الموت والتفكير بالنهايات الحزينة.

ودعت إلى ملاحظة التغيرات التي تطرأ على المسن والتي تكون علامات على حالة الاكتئاب وتظهر بصورة؛ تردده في الإفصاح عن مشاعره، والحزن وفقدان الشعور بالفرح، وإهمال الدواء، والعناية الشخصية، مع العزلة التي تقود إلى التفكير في الانتحار.

فروق مرضية
وفرقت العلوان بين مرض الاكتئاب والخِرف، من حيث التدهور الذهني السريع في الاكتئاب، والذي يرافقه نقص التركيز، وملاحظة، نقص الذاكرة، وبطء اللغة مع وجود الإدراك، وفي المقابل يكون التدهور الذهني في الخرف بطيئًا، ونقص الإدراك، مع الصعوبة الشديدة في التركيز واللغة، وعدم ملاحظته نقص الذاكرة.

دعم متكامل
ودعت إلى تقديم الدعم للمسن ضمن فريق متكامل من المستشفى والأسرة والمجتمع، ومحاولة علاج المشكلة من الجذور، كون الاكتئاب اضطرابًا لا يمكن إخفاؤه، والذي يكون عبر خطوات وهي؛ التشخيص السليم، والعلاج الطبي والسلوكي المعرفي، والعلاج في المستشفى أو المركز عند الحاجة إلى العلاج الدوائي، ووصف مضادات الاكتئاب التي تصرف من طبيب مختص.

اعتراضات
ومن جهة أخرى، اعترض الباحث عبدالرسول الغريافي على مفهوم لجوء البعض إلى الانتحار، واعتبر أن هذه الدراسات لا تنطبق على المجتمع الشرقي بل المجتمعات الغربية، كون المجتمع السعودي محافظًا، وتحكمه الشريعة الإسلامية، ويكون الدين رادعًا له.

تجربة حياتية
واستشهد الاختصاصي النفسي مصدق حسن آل خميس في تناوله محور الأمراض النفسية عند كبار السن” بتجربة من واقع حياته الشخصية مع والده عن كيفية التعامل مع المسن لمدة قاربت ثلاثة عقود، بدأها مع إخوته بعد رجوعه من عمله في الطائف عام 1408هـ، وقد تقاعد والده من عمله، فاتفق مع إخوته على ضرورة إيجاد حياة جديدة لوالدهم يسودها الدعم على المستوى النفسي، والأسري، والترفيهي والاجتماعي، وحتى الاقتصادي.

وذكر آل خميس أنهم كانت بينهم حالة من التنافس عمن يقوم بخدمة أبيهم، وإشعاره أن دوره لم ينته، عبر استعادة بعض الذكريات، وممارسة بعض الهوايات الرياضية التي غابت عنه في زحمة المهام اليومية، والخروج به إلى عالم كان يألف تفاصيل أحداثه وأماكنه.

وأضاف أنهم اتخذوا والدهم مرجعًا للتفاصيل التاريخية، وقاموا بالذهاب به إلى أماكنها، والحديث عنها كأنها حاضرًا يعيشه، حتى إن فقدت بعض الشخوص، بل تعدى الأمر إلى الخروج في رحلات سفر داخلية وخارجية، ومزاولة الصيد أو الزراعة، بأسلوب لا يخلو من الترفيه والحاجة اليومية لجني أثرها.

وقال: “إنه لم يغب الدعم المادي عنهم بتكليفه بإدارة مهام المؤونة المنزلية، التي أعادت له الشعور بأهمية المال وأسلوب إدارته، بعد العجز عن التصرف في إدارة راتبه التقاعدي، مع تحديد مبلغ شهري لكل منهم يقدم له، بالإضافة خلق أجواء اجتماعية داخل المنزل أو خارجه بالمشاركة في حضور المناسبات الاجتماعية”.

أسباب الاكتئاب
وأوضح أن الاكتئاب ليس محصورًا في سن معين، مع أهمية التفريق بين الاكتئاب الناتج عن أسباب سيكولوجية، أو الاكتئاب العضوي الذي يعد عرضًا مرضيًا، وكذلك الاكتئاب التفاعلي الذي يتركز عند كبار السن نتيجة لفقدهم التفاعل الاجتماعي إما بسبب عجز جسدي، أو فقد أحد المقربين، وتغيير المحيط الاجتماعي.

وأشار إلى أن تحديد عمر كبير السن قد اختلف بين الدول فوصل إلى عمر 65 – 70 سنة فما فوق، نتيجة لتحسن الخدمات الصحية والاجتماعية في المجتمع، مطالبًا بجعل الحياة أبسط مما يمكن للمسن، وتجهيز المنازل بشكل يخدم كبار السن، ومراعاة تصميمها بأن يخدمه في المستقبل، بالإضافة إلى التخطيط المستقبلي لما بعد التقاعد، وإيجاد برامج مجتمعية تستفيد من خبرات المسنين وتخرجهم من عزلتهم.

العلاج السلوكي
ناقش آل خميس العلاج السلوكي ضمن فلسفة مبنية على تشجيع المسن على التفاعل في المجتمع، بناءً على الحالة الإدراكية له، والعمل على تجديد المدركات الشخصية، التي منها يوجه السلوك إيجابًا أو سلبًا، معتبرًا كل فرد عالمًا قائمًا بذاته والاختلاف بين أفراد المجتمع أمرًا لابد منه، وليس رفضًا فيما بينهم.

تساؤلات
وتعددت المداخلات والتساؤلات من جانب الحضور، إذ كان منها مداخلة محمد العسكر الذي قال: “الكل يشعر أن الاكتئاب مرض عصري، والأفراد في المجتمع يصابون به بسبب الكبت، في حين أنهم لا يعرفون كيفية التعامل معه، مع ما نجده من توجه المثقفين إلى العزلة”.

وكان رأي الدكتور محمد الخنيزي أن الاكتئاب سببه نفسي أكثر من كونه عضويًا، كما أن تأثير البيئة يتفوق على الوراثة.

وتساءل الشيخ علي الناصر؛ هل اختلال إفراز الغدة الدرقية يؤدي إلى الاكتئاب، وما علاقة الأمراض الجسمية والمزمنة بالاكتئاب؟ أما نافع السويكت فسأل حول تأثير أدوية الاكتئاب على الصحة مع خوف البعض منها؟

وفي ختام المحاضرة مدير منتدى الخط الحضاري فؤاد نصر الله بالشكر للمشاركين، ولمجموعة تعزيز الصحة النفسية بقيادة الاختصاصي فيصل آل عجيان، الذي اعتبر ذلك باكورة التعاون بين المجموعة والمنتدى.


error: المحتوي محمي