ذلّل الصعاب التي قد تقف في وجهه كالشبح، تحداها بالعزم والإرادة، حتى أكمل الطريق، لم تعرقله ضربة مفاجئة أفقدته السمع ولم تقف في وجه طموحه، اتخذ لنفسه مسارًا قد يجد بعض من يتمتع بكامل حواسه صعوبةً فيه، فبعد أن تحول من طفل قادر على التقاط جميع الأصوات من حوله إلى شاب أصم توشوش الكلمات سمعه، قرر أن يمارس عملًا فريدًا، حيث أخذ يدرس الأطفال الصم اللغة العربية، رغم أن الجميع يعلم أن الصم ضعيفو المستوى، بالنسبة للغتهم الأم.
هادي علي آل سعدون، بطل قصة ترجم خلالها قواعد لغتنا الجميلة بلغة الإشارة.. اقتربنا منه لنتعرف على عالمه أكثر.
الهوية
كانت شاشة الكمبيوتر والكيبورد هي لغة التواصل في هذا الحوار الفريد من نوعه، حيث بدأ “آل سعدون” حواره المكتوب مع «القطيف اليوم» قائلًا: “قد تكون أفضل الطرق أصعبها، فكل الشدائد والعقبات التي واجهتها في حياتي زادت من عزيمتي وإصراري على النجاح، وقد تخرجت في كلية الاتصالات والمعلومات بالرياض بتفوق، وأنا عضو بلجنة “أقوياء معًا” التابعة لجمعية القطيف الخيرية، وأعمل بشركة خاصة”.
بداية الحكاية
يروي قصته، وبداية إصابته بالصمم بقوله: “ولدت سليمًا، ودخلت المدارس الحكومية العامة للأسوياء، وعندما كنت بعمر اثنتي عشرة سنة كنت بالصف السادس الابتدائي؛ فتعرضت لضربة قوية على الأذن، من إدارة المدرسة، أدت لفقدي السمع”.
انتابه حزن شديد، وانخفضت نسبة تفوقه، ناقش عند ذلك عائلته في إدخاله معهد الأمل للصم، للضعف الشديد لديه، فتم نقله.
في الرياض
يتابع “آل سعدون” حديثه: “أنا شخص أصم لكنني سعيد، ومستمتع بحياتي، فبعد تخرجي في الثانوية، انتقلت من مدينة سيهات، للسكن بالرياض للدراسة، وحصلت على دبلوم من كلية الاتصالات والمعلومات، تخصص “تطبيقات مكتبية” بتفوق، كنت سعيدًا لأنني أستطيع استخدام لغة الإشارة، مع زملائي”.
تحدى الصعاب
وحول سؤاله عن الصعاب والمعوقات التي واجهها أجاب: “بعد فقدي للسمع في سن مبكرة، كثيرًا ما كنت أفكر بشأن المستقبل، وكيفية التواصل مع المجتمع، وبعد تعلمي لغة الإشارة والكتابة عبر الرسائل، شعرت بأنني قادر على التواصل، وكان أكثر ما يؤلمني قلة فرص التوظيف، مما اضطرني للقبول بوظيفة في شركة خاصة”.
اللغة العربية
ذكر أن لغته جيدة، لأنه في المرحلة الابتدائية عشق اللغة العربية، وشعر في بداية الأمر أنها لغة صعبة، ولكن سرعان ما تبدد ذلك ليرى أن تعلمها ليس صعبًا على من يريد، مبادرًا بتعلمها، ومن ثم انطلق لتعليم الأطفال من فئة الصم، كما تطوع لتحويل الرسائل النصية للغة الإشارة الوصفية للصم، فكانت تأتيه رسائل محفزة، على الاستمرار والمواصلة.
وأكد أن تعليمه للصم جاء نتيجة حزنه الشديد على تدنى مستواهم التعليمي، فكثير منهم لا يعرف الكلمات البسيطة، مثل: أرنب، تفاحة، ومن ثم قرر تدريسهم ومساندتهم.
القدوة
وأشار إلى أن قدوته في الحياة هو صديقه محمد الصادق، الذي تعلم منه الكثير لمساندته الدائمة للصم.
أمنية
شدد “آل سعدون” على ضرورة إتاحة الفرصة للصم، في جميع القطاعات، مناديًا برغبته في تدريس الصم، فهو أقرب لحياتهم، وأدرى برغباتهم – حسب رأيه – كما تمنى وضع ترجمة وصفية لجميع البرامج عبر التلفاز، أو تطبيق “يوتيوب”، وغيرها، بالإضافة لوجود مترجمين في الأماكن الخدمية، كالمستشفيات وذلك من أجل تثقيف فئة الصم، وزيادة وعيهم، ومتابعتهم للأحداث، والمستجدات.
ووجه في نهاية حديثه، شكره لله على نعمه، ولعائلته لثقتهم به، وأهدى لهم نجاحه ولأصدقائه، مشيدًا بالدور الإعلامي الذي تقدمه «القطيف اليوم».